هل تنجح قوى 14 آذار بتجاوز مأزقها السياسي والتنظيمي؟

قاسم قصير

بعد تحضيرات مكثفة استمرت عدّة أسابيع، عقدت قوى 14 آذار مؤتمرها العام يوم السبت الماضي في الرابع عشر من آذار 2015، وذلك بمناسبة مرور عشرة أعوام على تأسيسها. وكان يفترض في هذا المؤتمر إعلان الوثيقة السياسية الجديدة لقوى 14 آذار، التي سيجري على أساسها العمل في المرحلة المقبلة، وكذلك تشكيل المجلس الوطني الذي يضم كل القوى السياسية والحزبية والشخصيات المستقلة العاملة في إطار 14 آذار، على أن يكون هذا المجلس هو الهيئة العامة التي تحدد سياسة قوى 14 آذار وتتولى مراقبة أدائها وتساهم في تفعيل دور الشخصيات غير الحزبية في داخلها.

لكن يبدو أن بعض الخلافات الداخلية وعدم وضوح الرؤية السياسية للمرحلة المقبلة والمناقشات الحادة التي سادت المؤتمر العام أدت إلى تأجيل إ طلاق الوثيقة السياسية إلى ما بعد شهرين، مع تشكيل لجنة تحضيرية من نحو 40 شخصية تتولى استكمال التحضير لتشكيل المجلس الوطني المركزي ووضع نظامه الداخلي، إضافة إلى متابعة النقاش في الوثيقة السياسية التي قد تعلن لاحقاً.

فهل حقق المؤتمر العام لقوى 14 آذار دوره في إعادة تفعيل الحضور السياسي والشعبي والتنظيمي لقوى 14 آذار؟ وما هي حقيقة الخلافات الداخلية حول تشكيل المجلس الوطني ورئاسته ودوره؟ وهل تأجيل إطلاق الوثيقة السياسية مرتبط فقط بالأوضاع الداخلية لقوى 14 آذار أم أن هذه القوى تنتظر المتغيرات السياسية التي ستحصل خلال الأسابيع المقبلة وانعكاسات هذه التغييرات، وخصوصاً احتمال توقيع الاتفاق النووي-الدولي والوضع في سوريا على الأوضاع اللبنانية؟

نتائج المؤتمر العام

بداية، هل حقق المؤتمر العام دوره في تفعيل دور قوى 14 آذار؟ وما هي أبرز انجازاته؟

من خلال متابعة أجواء المؤتمر العام وما نجم عنه من بيان سياسي وإعلان القرار بتشكيل لجنة تحضيرية للإعداد لتشكيل المجلس الوطني العام، يبدو ان هذه النتائج لم تكن بمستوى الطموحات والتوقعات التي تحدث عنها قياديو قوى 14 آذار قبل انعقاد المؤتمر، بل إن هذه النتائج تكشف وجود خلل كبير داخل هذه القوى.

فالبيان السياسي المعلن لم يتضمن أية مراجعة نقدية شاملة للمرحلة الماضية، باستثناء الإشارة إلى وجود بعض الأخطاء، كذلك فإنه لم يقدم رؤية سياسية جديدة توازي حجم المتغيرات التي حصلت خلال السنوات العشر في لبنان والمنطقة، واعتمد هذا البيان ما يسميه أحياناً قادة قوى 14 آذار «اللغة الخشبية» تجاه حزب الله والأوضاع السياسية، إضافة إلى الهجوم على الدور الإيراني الجديد، بعد أن انتهى مفعول الهجوم على الدور السوري.

أما على الصعيد التنظيمي، فإن القرار بتشكيل المجلس الوطني ليس جديداً، لأنه جرى الإعلان عنه قبل انعقاد المؤتمر، وإن كان قد جرى تكليف لجنة تحضيرية موسعة (40 عضواً) لاستكمال النقاش حول المجلس ونظامه الداخلي وكذلك حول الوثيقة السياسية.

ولقد كان واضحاً من خلال بعض التصريحات والمواقف التي أعلنها مسؤولو حزب الكتائب عبر مقابلات تلفزيونية وصحافية أنهم غير موافقين على اختيار رئيس للمجلس الوطني يكون أقوى من رؤساء الأحزاب، ولديهم بعض الاعتراضات على كيفية إدارة الوضع الداخلي والسياسي لقوى 14 آذار.

كما برزت في بعض وسائل الإعلام الالكترونية مقالات اعتراضية على التمثيل الشيعي داخل قوى 14 آذار وفي اللجنة التحضيرية، ونشر بعض (المعارضين الشيعة لحزب الله) مقالات تنتقد التمثيل الشيعي داخل قوى 14 آذار، ومن الواضح أن هذه القوى لم تعد قادرة على اجتذاب شخصيات شيعية فاعلة كي تشارك في نشاطاتها وأطرها التنظيمية.

الرؤية السياسية المستقبلية

لكن ماذا عن الوثيقة السياسية الجديدة لقوى 14 آذار، ولماذا لم يتم إعلانها في المؤتمر وتأجيل ذلك لمدة شهرين؟ فهل السبب المزيد من النقاش والتحضير أم انتظار المتغيرات التي قد تحصل في لبنان والمنطقة؟ وأية رؤية مستقبلية يمكن ان تقدمها قوى 14 آذر؟

قد يكون صحيحاً أن إعداد الوثيقة السياسية الجديدة لقوى 14 آذار يحتاج لبعض الوقت في ضوء النقاشات التي حصلت خلال المؤتمر العام، لكن يجب على هذه القوى ان تعترف أيضاً بأن أية وثيقة سياسية جديدة يجب ان تأخذ في الاعتبار المتغيرات التي حصلت في لبنان والمنطقة والعالم خلال السنوات العشر الماضية، كذلك ان تنتظر أيضاً ما قد يحصل من تطورات في الشهرين المقبلين، سواء تم التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني أو لم يتم التوقيع عليه.

والأهم من كل ذلك ان تجري قوى 14 آذار مراجعة نقدية حقيقية لمسيرتها خلال السنوات العشر الماضية: أين فشلت؟ أين نجحت؟ ما هي أسباب الفشل والنجاح؟ ولماذا تركت قوى أساسية وشخصيات فاعلة قوى 14 آذار وبدأت تنشط منفردة؟ ولماذا تقوم شخصية مركزية في قوى 14 آذار كالنائب سمير فرنجية بإعادة إحياء المؤتمر الدائم للحوار في الذكرى العاشرة لانطلاقة قوى 14 آذار؟ ولماذا يبتعد فرنجية عن الحضور المباشر في اجتماعات الأمانة العامة؟

إذن، أمام قوى 14 آذار تحديات سياسية وتنظيمية مهمة كي تستعيد دورها وفاعليتها، وكي لا تتحول إلى مجرد «قوة صوتية» تطلق المواقف والبيانات دون أن تكون قادرة على تغيير الواقع أو تحقيق الأهداف المحددة.

وسابقاً، بعد أن تحولت «الحركة الوطنية» (التي ضمت قوى يسارية ووطنية وقومية) إلى مجرد لقاء سياسي أسبوعي يطلق المواقف والبيانات، شبَّه المفكر الراحل منح الصلح «الحركة الوطنية» آنذاك «بالسيارة التي تدهورت وتعطلت ولم يعد يعمل فيها سوى الراديو».

والخوف الأكبر ان تبقى قوى 14 آذار مجرد ظاهرة صوتية ولا تنجح في إعادة تفعيل وجودها ودورها الشعبي والتنظيمي في ظل المتغيرات الداخلية والخارجية.

وكي لا نحكم على النتائج مسبقاً سننتظر الشهرين المقبلين كي نعرف ما ستتوصل إليه اللجنة التحضيرية التي شكلت، إن على صعيد إعداد الوثيقة السياسية أو تشكيل المجلس الوطني.

(الامان)

السابق
رسائل طائرة من وحي التاريخ…
التالي
مسيرة الانخراط في الحرب السورية