أزمة الاستشفاء معضلة مالية إنسانية ضحيتها المواطن

ليس رقماً بسيطاً أنّ 40 في المئة من اللبنانيين تتحمل نفقتهم الاستشفائية وزارة الصحة دون سائر المؤسسات الضامنة لعدم انتسابهم إلى أي منها، و8 في المئة يعتمدون إما على التأمين الخاص أو يتحمّلون كلفة استشفائهم مباشرة وفق الأرقام الصادرة عن «الدولية للمعلومات».

فهذه النسب ربما لا تبدو خطيرة للوهلة الأولى لأنّ وزارة الصحة تتكفّل بمعظم المواطنين الذين لا يملكون أي تأمين صحّي، لكن الخطورة تكون حين لا يعرف المريض الذي يصل إلى المستشفى ما إذا كان سيتمّ استقباله أم لا، ومصيره في حال احتاج إلى البقاء في المستشفى في وقت لا يكون هناك أسرّة فارغة، كما تفيد إدارة المستشفى.

فكثيرة هي القضايا التي تتراكم في هذا المجال، ومن آخرها عدم استقبال مستشفى «أوتيل ديو دو فرانس» إحدى المريضات لإجراء عملية جراحية مستعجلة، ما أدى إلى إعلان وزير الصحة وائل أبو فاعور فسخ العقد معها بعد أن كان قد حذّر من رفض استقبال مرضى وزارة الصحة (أعيد العمل بالعقد بعد تعهّد إدارة المستشفى الالتزام ببنوده). وقد سجّلت أيضاً حالات أخرى منها وفاة الطفلين عبدالرؤوف الحولي وإنعام عيد اللذين لم يدخلا إلى المستشفى لعدم توافر أسرّة فارغة، وقبل ذلك قضايا أخرى تراكمت لتدفع نحو تشكّل مناخ سلبي بين المستشفيات ووزارة الصحة من جهة، وبينهما والمواطنين من جهة أخرى.

بين وزارة الصحة والمستشفيات

منذ سنوات وشكاوى المواطنين وانتقاداتهم حول معاملة المستشفيات لهم تتكاثر، خصوصاً إذا كانوا يدخلون على نفقة وزارة الصحّة. ويكفي الوقوف على باب أي مستشفى ومحاورة المواطنين لمعرفة ما يعانون منه. فالمواطنة كلارا اصطحبت والدتها المسنّة إلى أحد المستشفيات بسبب آلام حادة في الصدر، وحين وصلت إلى قسم الطوارئ وأعلمت الموظفة أنّها تحتاج إلى الدخول على حساب وزارة الصحة، كان الردّ بأنّه يجب توافر أمور عدة لذلك وهي: موافقة مسبقة من إدارة المستشفى لتحديد الموعد المناسب عند وجود سرير فارغ، طلب دخول مُعبأ من الطبيب المعالج توقعه إدارة المستشفى، إحضار بطاقة تغطية من مصلحة الصحة، فضلاً عن مستندات أخرى. كما أعلمت بأنّ وزارة الصحة تغطي فقط العمل الذي من أجله دخل المريض المستشفى من دون أية فحوصات أو صور إضافية.

وحين سألت كلارا عن إمكان إيجاد سرير في أي وقت قريب، لم يأتِها أي جواب واضح. وهكذا بقيت والدة كلارا نحو 10 ساعات في قسم الطوارئ من دون إيجاد سرير لها، حتّى اضطرت للمغادرة إلى المنزل، على رغم أنّ حالتها الصحية لا تسمح بذلك.

وما لا يدركه المواطن أنّ كل ما يواجهه خلال دخوله المستشفى ناتج من نزاعات خفية وعلنية بين وزارة الصحة والمستشفيات، وأبرز أسبابها مادية. فنقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون يؤكد أنّ مساهمة الدولة في الفاتورة الاستشفائية متدنّية جداً ويجب أن ترفع على الأقل من 54 إلى 80 في المئة، وأنّ حملة الانتقادات الموجهة للمستشفيات «ممهنجة» لأنّ المشكلة هي في أنّ الدولة تعد المواطنين بما لا يمكنها تحقيقه لهم، ثم تضع اللوم في التقصير على المستشفيات. وهي تحتاج إلى تأمين نحو 400 مليون دولار إضافية لتخفيف العبء عن المواطنين، والا فإنها تضع المستشفيات والأطباء والموطنين في مواجهة محتمة.

إلا أنّ الوزير أبو فاعور يلفت إلى أنّ بعض المستشفيات «تذلّ المواطنين بأموالهم وأموال الدولة» رافضاً أي استنسابية في التعامل مع المرضى وانتقاء الحالات، وإلا أدّى ذلك إلى إلغاء العقد الموقع بين المستشفى ووزارة الصحة، مشيراً إلى اتفاق لإعطاء المستشفيات مستحقاتها المالية المتراكمة بين عامي 2001 و2013 والبالغة قيمتها 120 مليار ليرة لبنانية عبر سندات الخزينة، لذا فإنّ عذر المستحقات وربطه بعدم إمكان تلبية حاجات المرضى غير مقبول.

حلم بعيد المنال

ومهما كانت الأسباب التي تؤدي إلى حالات شبه يومية من سوء المعاملة، فكلّ ما يعرفه المواطن اللبناني أنّ هناك ظلماً لاحق به، وأنّ الاستشفاء المجاني حلم بعيد المنال، وخلال السنوات المقبلة كما الماضية سيضطر إلى تقبّل كل ما تحمله الحالة السياسية والاقتصادية من جديد بما يحدّد وضعه الاستشفائي. وهذا ما عبّر عنه اللبنانيون على موقع «تويتر» من خلال إطلاق هاشتاغ «بمستشفيات# لبنان»، حيث تنهمر التعليقات السلبية التي تركّز خصوصاً على تحول المستشفيات إلى أماكن مخصصة للأغنياء لأنّ العلاج يكون بمقدار ما تملك من مال وليس وفق حالتك الصحية وما تحتاج إليه من عناية، وهي كلّها تعليقات لا يمكن غضّ النظر عنها لأنّها تحمل في كل كلمة منها معاناة يجب أن يأخذها في الاعتبار كلّ صانع قرار في الملف الصحّي، إذ يعتبر علي عبدالله أنّ «مستشفيات لبنان غير مطابقة للمواصفات»، فيما ترى ريما صـــليبا أنّ «الفقر هو نقمة في لبنان والإنسانية معدومة ولا أحد يهتم لطفلة تموت علـــى باب مستشفى في حال لم تكن ابنة وزير أو نائب أو مدعومة من حزب سياسي».

(الحياة)

السابق
عطلة الصحافة لمناسبة عيد البشارة
التالي
طبيب عيون يؤكّد لـ«جنوبية»: النظر إلى الكسوف يسبب العمى