المرأة السورية الثائرة هي العاشقة التي لا نتحدّث عنها

هي ليست فقط "المناضلة" و"الثائرة" و"أخت الرجال". هي أوّلًا وأخيراً المرأة. ليست جثّة أو مُغتَصَبَة أو ثكلى أو يتيمة أو أرملة فقط. بل هي الحبّ الذي يتفتّح في خيم الشقاء والتشرّد. هي الحضن البارد الذي يدفئ الأطفال الجائعين في شارع الحمرا ببيروت. هي العاشق الفيسبوكي الذي، رغم هجرته من بلده وفقره وعَوَزه، لا يزال يفكّر في فتاة أعجبته...

هي المرأة السورية الثائرة. هي التي اغتصبها مجرمون هنا، وجنّدها آخرون لـ”جهاد النكاح” هناك، وجاهد البعض في قتلها لأنّها من مذهب آخر. هي التي قتل الثوّار زوجها وقتل المجاهدون أخاها وقتل الجيش ابنها وقتلت طائرات التحالف الدولي أخاها وقتلها الحزن عليهم.
هي الأرملة وأخت الشهيد وابنة الشهيد. هي المراهقة المقتولة بالبرميل المتفجّر، والطفلة المختنقة بالغاز السام. هي اللاجئة في تركيا والتي تشحذ في شوارع بيروت. التي باع المجرمون ابنتها في الأردن لتزويجها إلى ثريّ مجهول، والمهاجرة إلى أوروبا هرباً من القتل، والمقتولة في بيتها بحلب، والمتروكة في العراء بين تهجير وتهجير.

هي هذا كلّه وأكثر. لكن بعد أكثر من أربع سنوات من عمر الثورة، وما تلاها من قتل وتدمير وتهجير واغتصاب وحزن وغضب وقهر… لا بدّ من أن نبحث عن “المرأة” السورية. هذه التي تختبئ في داخل كلّ واحدة من اللواتي سبق ذكرهنّ أعلاه.

فهي ليست فقط “المناضلة” و”الثائرة” و”أخت الرجال”. هي أوّلًا وأخيراً المرأة التي لولاها لما بقي هناك شيء اسمه سورية. فسورية لا تعيش اليوم بالمساعدات الغذائية، ولا من ضربات التحالف الأميركي ضدّ “داعش”، ولا من تجمّعات المعارضات من كلّ حدب وصوب، ولا في استنكارات الناشطين على تويتر وتضامن الفيسبوكيين ذوي الرؤوس الحامية. ولا سبب استمرار الحياة ونبض القلوب في الشام ودرعا وحلب وحمص وحماه هو رباطة جأش الرجال وقوّة زنودهم ونوعية أسلحتهم وفاعليتها. أبداً.

فسحة الأمل التي تتنفّس منها رئة السوريين الوحيدة اليوم هي المرأة. تلك التي لا تزال تعيش في رأس الثائر وهو يسعى لتحرير بلدته من احتلال أجنبيّ أو من جيش النظام الظالم. الحبيبة التي يخاف عليها ويستعدّ للموت كي لا يصل الشبّيحة إليها. والأمّ التي لا يريدها أن تجوع، والابنة التي يريد لها مستقبلاً حرّاً.

هي المرأة التي، في خيمة العراء، على الحدود اللبنانية السورية، أو التركية السورية، تنتظر زوجها في الخيمة آخر النهار. تنتظر أن ينام أطفالها الخمسة. تحضّر لزوجها الذي أمضى نهاره يفتّش عن عمل، علبة “طون” حيّدتها من آخر كرتونة مساعدات غذائية حصلت عليها قبل أسبوعين. تفلش علبة الطون، وبعض الكبيس إلى جانبها، وتضيء له شمعة قلبها، في عشاء رومانسيّ بين غفوة طفل وجوعه.

المرأة السورية ليست جثّة أو مُغتَصَبَة أو ثكلى أو يتيمة أو أرملة فقط

المرأة هي الحبّ الذي يتفتّح في خيم الشقاء والتشرّد. هي الحضن البارد الذي يدفئ الأطفال الجائعين في شارع الحمرا ببيروت. هي العاشق الفيسبوكي الذي، رغم هجرته من بلده وفقره وعَوَزه، لا يزال يفكّر في فتاة أعجبته، ويرسم لها في خياله منزلًا بين بيوت ضيعته المحروقة، يسكنانه ويطيران، ليس أشلاءً بسقوط برميل متفجّر فوق رأسيهما، بل فرحاً من شدّة الأمل.

الرجال الذين يخوضون الحرب، هناك وهنا وهنالك، من جبال القلمون إلى سهول حلب ومرتفعات الجولان، تتّكئ أحلامهم على أحضان نساء ينتظرنَ الحرب كي تنتهي. لكنّهنّ، رغم ترملهنّ أو ثكلهنّ، رغم موتهنّ اليومي وجوعهنّ، يوزّعنَ الحبّ على الأطفال والأخوة والأزواج والأصدقاء.

المرأة السورية ليست جثّة أو مُغتَصَبَة أو ثكلى أو يتيمة أو أرملة فقط. هي امرأة قبل كلّ شيء. وبين 8 مارس/آذار، يوم المرأة العالمي، و15 مارس/آذار ذكرى بداية الثورة، و21 مارس/آذار، عيد الأمّ، فلنتذكّر أنّ المرأة السورية امرأة أوّلا وأخيراً. امراة تعشق وتحبّ وتتعرّى لزوجها، عراءً صادقاً بطيب خاطرها، تحبل بمئات آلاف الأطفال، وتجعل الغد ممكناً. لأنّها امرأة.

(العربي الجديد)

 

السابق
جعجع عبر تويتر لكاغ: ايران تعرقل الانتخابات الرئاسية لا السعودية
التالي
سجال بين ريفي ووزراء حزب الله