الربيع العربي 1: أديب نعمة يفكّك الثورات العربية بين العوامل المؤثرة والدين والعولمة

أديب نعمة
في إطار متابعة "جنوبية" للتحركات الشعبية والانتفاضات في عدد من الدول العربية ودخول هذه التحركات والانتفاضات عامها الرابع حاور موقع "جنوبية" عدداً من المهتمين والمتابعين للانتفاضات والنقاش الأول مع الباحث والناشط أديب نعمة...

أربعة أعوام مرت على انفجار الحراك الشعبي في عدد من البلدان العربية بعد عقود من قيام أنظمة استبدادية أمسكت بتلابيب السلطة، وأقصت المعارضات في أشكالها كافة وأفنت الحياة السياسية وأوقعت المجتمع وقواه الحية في فجوة عميقة مما سمح لها بممارسة السلطة بما يتناسب مع مصالح الفئة المسيطرة.

إلا أن هذا المسار اختلف بين بلد وآخر، وتعلّق ذلك بدرجة تطور المجتمع وتماسك نسيجه الاجتماعي. كذلك حسب حجم العامل الخارجي وتدخله في الوضع الداخلي وحجم العامل الداخلي واستقلاليته عن الخارج أو مدى تأثره بالعوامل الخارجية.

واختلفت أساليب العمل خلال الحراك، بعضها استند إلى التحركات السلمية الديمقراطية واستطاع تحقيق عدد من المكاسب وبعضها انجرف بسياسة الأنظمة الاستبدادية التي استدرجت معارضتها إلى استخدام العنف المتبادل، وأدى ذلك إلى انخراط النسيج الاجتماعي وعودته إلى مكوناته الأولية وطغت على سطح النزاع الهويات الفردية القاتلة التي شكلت عائقاً أساسياً أمام إعادة توحيد المكونات الاجتماعية.

عندما انفجرت هذه المجتمعات، لم يجد الناس سوى العودة للمكونات الأثرية والأولية

وقد حاورت جنوبية عدداً من المفكرين والناشطين السياسيين وستنشر وجهات نظرهم تباعاً وهم: الناشط الاجتماعي أديب نعمة، الناشط السياسي رشيد الزعتري، الأستاذ الجامعي الدكتور لويس حنينة، العلامة السيد محمد حسن الأمين ومدير دراسات حقوق الإنسان في رام الله الدكتور أياد البرغوثي.

يتحدّث الدكتور أديب نعمة حول العلاقة بين العوامل الداخلية والعوامل الخارجية المؤثرة في الانتفاضات، ويقول: “تبقى العوامل الداخلية مؤثرة وتشكل ضغطاً ما على الأحداث، يكبر التأثير ويتضاءل حسب الظروف، من جهة أخرى لا شك أن العوامل الخارجية لعبت دورا كبيراً في بعض البلدان، وصارت أوزان العوامل الداخلية شبه معدومة، والأوزان الخارجية لها طغيان كاسح ومن هذه البلدان ما يحصل حالياً في سورية، أما في لبنان يتم استخدام العامل الخارجي داخلياً الذي صار مرتبطاً بالخطة الاستراتيجية للقوى الخارجية”.

ويضيف نعمة: “في المقابل هناك أمثلة مضادة، مثلاً في تونس ومصر ما زال العوامل الداخلية هي الأساس. في تونس استطاعت القوى المدنية أن تفرض أجندة خاصة بالبلد، وهي أجندة تتوازن مع الخارج وشكلت مخرجاً للقوى السلطوية المتنازعة، خصوصاً أن تأثير المجتمع المدني كبير جداً، بسبب تأثيره بأوروبا تاريخياً وبعده عن إسرائيل ووجود رأي عام ضاغط. إن تأثر تونس بالمثال الأوروبي واضح بوجود نقابات عمالية قوية ومنظمات مجتمع مدني مؤثرة، وقربها من القارة الأوروبية أظهر حاجتها إلى الحداثة. وفي مصر، مثال آخر، بلد ضخم لا مجال للعوامل الخارجية أن تكون المؤثر الأول وجيشها ضخم جداً وله دور اقتصادي واجتماعي واسع. ما سمح له بحسم الصراع الداخلي في صراعه مع محمد مرسي. عندما وصل الإسلاميون إلى السلطة أغدقوا بالوعود ولم يستطيعوا تنفيذ ما تم الوعد به، فوقف الناس مع الجيش (العلماني) ضد الحكم (الإسلامي)”.

وضع لبنان الأصعب بين دول المحيط

وحول السؤال، إذا حصل تغيير ما على صعيد المجتمع والسلطة في دول الربيع العربي، يوضح نعمة: “في كل البلدان حصلت تغييرات والتغيير ليس دائماً إلى الأمام أو باتجاه اليسار، يمكن أن يحصل تغيير خلافاً لرغبة المبادرين إلى التحرك. لكن يمكن ملاحظة أن البلدان التي استخدم فيها السلاح تعرضت للخراب، والحرق الشامل بما فيه قاعدة القيم الاجتماعية والثقافية ويعود ذلك لأن أربعين عاماً من حكم الأنظمة التي دمرت كل القوى السياسية وأفنت الحياة السياسية والاجتماعية، واستخدمت قوى دينية لإنهاء أي محاولة للتقدم والدخول في الحداثة، وعندما انفجرت هذه المجتمعات، لم يجد الناس سوى العودة للمكونات الأثرية والأولية. وخصوصاً أن هذا الانفجار جار في زمن العولمة التي هي بدورها دمرت البدائل. وهذا يفتح الباب لنقاش العولمة التي هي بحاجة إلى طرقات، فالعولمة في المركز شيء وفي الأطراف شيء آخر. العولمة خربت فكرة الدولة الوطنية، إنها لا تعترف بسياسة السيادة، وأمام توسع العولمة خربت وظائف الدولة، وخصخصت السياسة التي صارت مساحتها ضيقة، وبالتالي فإنها تدمره ولم تأخذه للحداثة، وبعد أي انفجار والقوى الاجتماعية تنظيماً، وبالتالي كان من الطبيعي أن تنشأ تيارات سياسية مثل داعش”.

وينتقل نعمة للحديث عن تجربة أخرى هي تجربة اليمن ويقول: “في اليمن لم يكن هناك ساحة تحرير واحدة بل أكثر من 19 ساحة تحرير، وعلى الرغم من وجود كميات كبيرة من الأسلحة بين أيادي اليمنيين، إلا أنهم لم يستخدموا السلاح. وقد حصل توافق دولي وخليجي أدى إلى حوار وطني، كان من المفترض أن يقدم حلولاً للأزمة اليمنية، لكن الإدارة التي استلمت السلطة كررت الأخطار وحصل سوء لإدارة الوضع الداخلي، إضافة إلى تفاقم الفساد وأبعاد الحوثيين والجنوبيين عن المشاركة أدى ذلك إلى توسع الدعم الإقليمي للحوثيين الذين أخذوا البلد بتواطؤ داخلي. الفراغ المؤسساتي كان سيد الموقف في اليمن، وهذا ما ساهم في تقدم الحوثيين واستيلائهم على مناطق واسعة من البلد، لذلك بات من المرجح دخول اليمن في أتون الحرب الأهلية.. هذا النقاش يصلح أيضاً لنقاش آخر في فلسطين، المقاومون حملوا السلاح ضد الاحتلال، السلاح لم يعد مفيداً، فما هي الأدوات الممكنة لمواجهة الاحتلال”.

وحول إذا كانت الثقافة الدينية تشكل عائقاً أمام تطور المجتمعات، يوضح نعمة: “الإسلام دين مدني وبالتالي الثقافة الإسلامية ليست العائق، إنها مثل الثقافة القومية والثقافة الشيوعية، لكن الميول التعصبية في كل الثقافات تؤدي إلى حروب أهلية، وأن التيارات الإسلامية الإقصائية تجر المجتمعات إلى حروب أهلية، ويلاحظ هنا أن العمود الفقري لداعش هو مجموعة الشبكات التي قاتلت في أفغانستان. وإذا كان السؤال، إذا كان الدين يصعب موضوع التقدم والدخول إلى الحداثة فالجواب نعم، وخصوصاً إذا استخدم الدين في الحياة السياسية اليومية، الناس من مصر وقفت ضد مرسي لأنه لم يقدم حلولاً، جوابه كان وحيداً: الإسلام هو الحل. الناس تطالبه بتحسين الوضع المعيشي يرد مرسي بالأيديولوجيا، لذلك أيّد الناس العلمانيين “والكفار” كما كان مرسي يصف معارضيه. الشعوب حالياً تجد نفسها بدون مرجعية، والضغط الأيديولوجي عليها شديد، فإذا حاولت مراقبة 3000 محطة تلفزيونية تجد أن 290 محطة منها محطات دينية لكنها لا تحمل خطاباً دينياً واحداً، إنه يتراوح ما بين داعش وصولاً إلى التيارات الإسلامية المعتدلة. وبغياب مرجعية أخرى فإن الناس تجد أمامها خياراً وحيداً هو الدين المستخدم بالسياسة. والتيار الإسلامية لا تستمد قوتها من ذاتها فحسب بل من غياب الدولة ومشروع الدولة المدنية. والتعصب عند جهة معينة يولد تعصباً من جهة أخرى وهذا ما نلاحظه بين الطوائف اللبنانية. أما في سورية فإن النظام دمر المعارضة وهجّرت القاعدة البشرية الاجتماعية ودمر النسيج الاجتماعي فلم يبق إلا الحرب الأهلية.”

ويعود نعمة للحديث عن لبنان الذي يصف وضعه بالأصعب بين بلدان المحيط، فيقول: “لدينا أثر الحرب الأهلية، بالمقابل لا نملك نظاماً أو دولة لإسقاطها. مشكلة لبنان مع 7 – 8 زعماء طوائف. نظامنا اللبناني لامركزي، إنه نظام غنائمي بامتياز”.

ويتابع: “لقد مرّ البلد بلحظة تاريخية بعد اغتيال الحريري، حيث تجاوز الجمهور الحرب الأهلية، وتجلى ذلك في 14 آذار، لكن بعد ذلك عادت سلطة الأحزاب وشطبت تلك اللحظة التاريخية وعدنا لإنتاج الانقسامات القديمة، يومها لو توصلنا إلى تسوية سياسية لأنتجنا سياسة جديدة، الذي حصل هو تواطؤ بين الزعماء أنتج التحالف الرباعي”.

ويختم نعمة اللقاء بطرح سؤال: “هل الحراك هو سباق طبيعي؟”. ويجيب عليه قائلاً: “أقدم الشباب على التغيير عفوياً عامي 2010 – 2-11 من دون وعي للظروف الموضوعية والذاتية التقليدية للتغيير، هل لا يملكون مرجعية نظرية وسياسية، لكن السمار ما زال مفتوحاً، في مكان ما يجب نجاح نموذج إيجابي يشكل مرجعية للآخرين، وهذا النموذج قد ينجح في تونس أو مصر، التي تشهد حالياً تحرك طلاب ضد السيسي الذين يماثل مبارك بقمعه لقوى التغيير، من خلال قمع الحريات، وانتهاك حقوق الإنسان، القضايا المعيشية، موقفه من أحداث غزة، وفي تونس يمكن بناء نموذج إيجابي”.

السابق
مبعوث واشنطن في التحالف: لحل تفاوضي لا يشمل الأسد
التالي
Iran’s project will reshape Lebanon