مصائرنا التي يقرّرها علي الكيماوي، رستم غزالي، قاسم سليماني وأبو بكر البغدادي

من يذكر ذاك الشريط الفيديوي لضابط بعثي عراقي وهو يحشو أحد مواطنيه المعارضين بالـ»تي. أن. تي» ثم يفجره، فيما بقية جنوده يتفرجون؟ من يذكر تلك الصور والأفلام عن علي حسن المجيد، الشهير بعلي الكيماوي، إبن عم صدام حسين، وهو يعدم الأسرى بدم بارد؟ من يذكر المقابر الجماعية لأكثر من ثلاثمئة ألف عراقي أبادتهم آلة القتل البعثية في العراق؟ من يذكر صور ضحايا السلاح الكيماوي في كردستان العراق؟ من يذكر القصص والحكايات التي لا تحصى عن التعذيب الوحشي الذي كان يتعرض له العراقيون على يد أجهزة الأمن، عن الإذلال اليومي، وعن الرعب والخوف المتغلغلين في أعماق المواطنين؟

لم ينتج عن انكشاف فظاعات نظام صدام حسين، أي صدمة أخلاقية في وعي المجتمعات العربية. لم تتأسس على تلك الحقائق، أي مراجعة سياسية أو فكرية. لم تحدث أي محاكمة رمزية لـ»البعث» أو للديكتاتورية. لم تقم أي محاسبة من أي نوع لأربعة عقود من الظلم والقسوة والنهب المنظم والتدمير المنهجي للمجتمع وللدولة.

سقط صدام حسين الشخص وحسب، ولم يسقط أشباهه. سقط لأنه ظن أن بمقدوره أن يتفوق أو يماثل حافظ الأسد، فيحتل هو الكويت كما احتل الأسد لبنان (في الحالتين: الطريق نحو القدس!).

في العام 1982، قام حافظ الأسد بتدمير مدينة حماة، وقتل أكثر من أربعين ألف سوري، أتبعها بحملة إرهاب لسوريا كلها، فاعتقل وأعدم وعذب عشرات الآلاف من مواطنيه. قبل ذاك التاريخ وبعده، سجن واغتال ونفى آلاف المعارضين، وحطّم حياة ما لا يحصى من العائلات، وفرض سلطته بالرعب والترهيب. كان «البعث» السوري كـ»شقيقه» العراقي، يعمم الجريمة بوصفها صنو الحكم والسياسة.

سيتأخر «البعث» السوري عن «المأثرة» الكيماوية حتى صيف العام 2013. لكنه سرعان ما سيتفوق على اقترافات صدام حسين. فحتى الآن، وبعد انقضاء أربع سنوات على انتفاضة الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد، هناك سبعة ملايين سوري مهجّر، وأكثر من مليون ضحية بين قتيل وجريح. لا أرقام للأيتام والأرامل، لا أرقام دقيقة عن عشرات الآلاف من المفقودين والمعتقلين. لا أرقام للكارثة التي أنزلها الأسد الابن ببلد بات حطاماً. والعقاب مستمر.

من أين أتى هذا الكابوس؟

في مطلع الستينات جاء الأنذال. عصابات من الضباط في الجيوش الرثّة، تستولي على الحكم في سوريا والعراق، وتبدأ «الملاحم» التي ستسطرها على صفحات التاريخ العربي. خمسة عقود من العار اليومي والكوارث والخسائر الحضارية التي لا تعوّض. سيذهب المشرق العربي، بشعوبه وعمرانه، إلى خراب مادي وروحي، يحيل الحياة جحيماً متواصلاً.

أناط صدام حسين مهمة سحق الشعب العراقي بعلي الكيماوي وأقرانه، أمثال ابنيه قصي وعدي، وسائر قادة الأجهزة المخابراتية من عشيرته وأقاربه وأبناء عمومته وأخواله. وأناط حافظ الأسد أيضاً مهمة إخضاع الشعب السوري لشقيقه رفعت الأسد، ومن بعده الابن ماهر الأسد، ومحمد ناصيف، وغازي كنعان، وآصف شوكت، وحافظ مخلوف، وجميل حسن.. وصولاً إلى رستم غزالي.

وهذا الأخير، الذي لم يترك مفسدة إلا وارتكبها، قتلاً وتعذيباً وابتزازاً مالياً وهتك أعراض وبذاءة وانحلالاً أخلاقياً، موصوفاً ومشهوداً، سيهديه حسن نصرالله «بندقية المقاومة» ويقدم له اليوم مئات الشبان أضحية وقرباناً على مذبح بقائه هو وربيبه بشار الأسد جلادين للشعب السوري.

اليوم، بعد علي الكيماوي، ومن نسل زواج ضباط «الحرس الجمهوري» و»قاعدة» أبي مصعب الزرقاوي، يأتي أبو بكر البغدادي، ومن نسل زواج «الأسدية» و»الخمينية»، أتى عماد مغنية وغازي كنعان، وتلاهما مصطفى بدر الدين ورستم غزالي تحت قيادة «الحرس الثوري» وقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني..

هؤلاء الضباط، وأشباه الضباط، هم اليوم «نخبة» المشرق العربي وأسياد مصيره، الذين فجروا ملايين الأطنان من الـ»تي. أن. تي»: سيارات وشاحنات مفخخة، براميل متفجرة، صواريخ وقذائف. الذين أطلقوا ملايين الرصاصات اغتيالاً واعداماً، وقتلاً عشوائياً للمتظاهرين وللعابرين والآمنين في بيوتهم. الذين رشّوا أطناناً من السموم الكيماوية، إبادة للسكان من حلبجة كردستان إلى غوطة دمشق. هؤلاء البرابرة لم يعد ينقصهم سوى تلك القنبلة النووية.

ومن أجل تلك القنبلة، كان يجب إجهاض ثورة الإيرانيين عام 2009، وكان يجب الهيمنة على لبنان، وتدمير العراق، وإفلات وحش «داعش» من زنزانات الأسد والمالكي وخامنئي، وتخريب اليمن، وإبادة الشعب السوري برمته إن اقتضى الأمر.

ربما لهذا السبب، لا أمل لنا وللعالم في التغلب على هذا الشر إلا بانتصار الثورة السورية.. وهو أمل ضعيف على الأرجح.

(المستقبل)

السابق
القائمة العربية المشتركة رمز الوحدة الفلسطينية
التالي
يوميات معتقل 9: هكذا اغتصبوا مراهقا وحولوه لفتاة مدللة