بلادُ الفرسِ أوطاني

في السياسات التي تتّبعها مع “العالم الثالث”، تشْبهُ الولايات المتحدة الأميركية -وأخواتها- التنّين، ذلك الحيوان الذي كلما توهّم بعضُ “المستهدَفين” هناك بأنه قطع له رأساً أو ذراعاً في حروبهم معه، أنبَتوا له في الحقيقة رؤوساً وأذرعاً بالجملة.

علّمنا الأستاذ التاريخ أن الخلاص من التنّين يقضي بالعمل على إيجاد وإنضاج الظروف الطبيعية لتأمين انقراض أفعاله الظالمة. عدا ذلك، تعملُ دعوات القتل والإبادة الصادرة من هنا وهناك على تبرير تلك المَظلمات.
**  **  **  **

يمارس العديد من “أهل السنة والشيعة” المكرَ والنفاق، يقولون لعامة الناس ما لا يقولونه لخاصتهم وأتباعهم، كل لبناني يعيش ضمن بيئته المذهبية يدرك ذلك تماما ويعرف أن تلك الأحاديث عن ضرورة درء الفتنة والسعي إلى التقارب الإسلامي ليست في الحقيقة أكثر من ذر للرماد في العيون، فالسعير المذهبي على أشدّه، وما تلك الفيديوهات المسربة من هنا وهناك إلا خير دليل، وإذا كان الطرفان لم يتفقا إلا نادراً على إقامة عيد الفطر في اليوم نفسه وقد بدآ بالخلاف على يوم الأضحى الذي يلي يوم وقوف الحجاج على جبل عرفة، فمن أين سيأتون بهذا التقارب الذي لا يمكن له أن يحصل في ظل التبعية للخارج المتماهي مذهبياً مع كل طرفٍ منهم!! القرى والأحياء والشوارع والأبنية صارت خلايا مزروعة بالسموم.
**  **  **  **

تناقلت وسائل الإعلام في يوم الأحد 7 آذار التصريحات التي نُسِبت إلى علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني والتي ذُكر فيها قولُه بأن “إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وبأن عاصمتها بغداد، والعراق ليس جزءاً من ثقافتنا فحسب، بل هو جزء من هويتنا”. أثار ذلك الكلام ضجة واسعة وتعرض للكثير من الانتقادات العربية والعالمية بسبب نزعته الاستعمارية والاستعلائية، ونُقلَ عن نواب إيرانيين أمس مطالبتهم بإقالته لأن كلامه يضر بالمصالح الوطنية الإيرانية ويعبر عن سياسات حكومتهم الخاطئة.

انتظرت طهران حتى يوم الخميس لكي تردَّ بأن تلك التصريحات -التي أوردتها أساسا وكالة “إيسنا” للطلبة الإيرانيين- غير صحيحة. كان بإمكانها الرد مباشرة عند تصاعد حملة الردود منعاً “للمتصيّدين في الماء العكر”، لكن أصحاب القرار هناك كان لهم رأي آخر، فضلوا الانتظار حتى تكبر كرة الثلج واختاروا ذلك من بعيد، عبر سفارتهم في بيروت، وبدون أن يعاد نشر النص الأصلي للتصريحات التي اتُّهِم ناقلوها بتحريفها، علما بأن النواب الإيرانيين المعترضين رأوا أن الإعتذار لا يحل المشكلة.

للتذكير، شغل يونسي يوماً منصب وزير الإستخبارات في إيران، وهو الهادىء الذي لا ينطق بالهوى!!

بمعزل عن صحة ذلك النقل أو عدمه، يقوم بعض المسؤولين الإيرانيين مرة بعد أخرى بالإدلاء بتصريحات لا تبتعد كثيراً عمّا نُسِبَ إلى يونسي، ذلك ليس كلاما اعتباطياً ولا هو مجرد زلّات لسان، وإذا ما جرت مراكمته تظهر الصورة جلية: إيران -التي على بوابة الخليج العربي- صارت على مضيق باب المندب وشواطىء البحر الأبيض المتوسط كما أكد قبل أيام أمين المجلس القومي الإيراني علي شمخاني!!
**  **  **  **

بعض المغالين في بيروت ودمشق لم يُسمع لهم حسٌّ، تناسوا “وكالتَهم الحصرية التاريخية” عن العروبة، مرَّ عليهم الكلام المنسوب للمسؤول الإيراني مرور الكرام!!

بلادُ الفرس أوطاني، من الشام لطهران، ومن يمنٍ إلى حلبٍ، إلى البصرة ولبنان.
**  **  **  **

وزارة الخارجية العراقية استنكرت تصريحات يونسي عبر بيان على موقعها الرسمي. الظريف في الأمر كان تأكيدها في نهايته بأن “العراق دولة ذات سيادة يحكمها أبناؤها ولن يسمح لأحد بالتدخل في شؤونها الداخلية أو المساس بسيادتها الوطنية”.

نُشِرَ ذلك بينما كانت وسائل الإعلام مستمرة بعرض صور قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني في تكريت معقل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وعلى وقع جزمات عناصر الجيش الأميركي الوافدين!!
**  **  **  **

إنه أول الغيث، والدم المحمول على صهوة المذهبية سيجري كثيراً وطويلاً، وهذه الرمال، كلما سقاها الأحمر القاني، ستصرخ أعلى: أما من مَزيد؟!
(المدن)

السابق
فنيش: نحن معنيّون كحكومة بالمحافظة على مصلحة البلد
التالي
يوم الراحل الكبير العلامة هاني في انطلياس