صباح الخير أيتها الثورة

الكثير من الكلام يمكن ان يقال الآن، عن الاحلام والطموحات، وقسوة النزاع، وعنف الزمن، وعمق التحولات، عظمة البشر القابلين بالتضحية باي شيء الا حريتهم بعد ان ذاقوا طعمها.

الكثير من الكلام لا يشفي الغليل، ما يشفيه حقا صوت صديقي من حلب، وهو يقول: “صباح الخير معلم” بعد ان يعود من معركة، او قبل ان يتوجه اليها.
صديقي الذي استشهد اخاه، وهو يرعى اطفاله لم يلق السلاح. كان قد بدأ من اليوم الاول، وتظاهر ضد النظام، انتفض ضد داعش، تخلى عن الفصيل الذي تحول الى ميليشا حرب، يسخر من اسلمة الثورة، ومن النظام، ويصلي خمس مرات في اليوم، ويعرف ان سوريا لكل السوريين.
كان يبيع الخضار في سوق الهال في حلب، قبل ان يلحق الثورة، ورويدا رويدا اصبح مدمنا على حريته، وعلى ثورته.
ربما لم يكن يعرف عن درعا قبل الثورة الكثير، ينتفض حين يسخر الناس من محافظته حلب، وهو يقول بان هذه المناطق (حلب) تحركت قبلكم، تحركت يوم كان الكل نيام، وانها سحقت بصمت، على عكس حماة، وعلى عس حمص، واليوم هي تنتفض، ولكنها العوبة بايدي الداخل والخارج.
يصلني صوت صديقي من حلب، وهو متعب، دائما هناك شكوى، ممارسات الفصائل، النقص في الذخائر، اهل المناطق وتصرفاتهم تجاه بعضهم، داعش تتقدم، النصرة تستولي، حركة حزم  تباد، لم يقف احد لاسناد فصائل الجيش الحر.
شيء واحد لم يشك منه، حلمه بان يكبر اولاده واولاد شقيقه الشهيد احرارا.
التقينا عشرات المرات دون ان يرى احدنا الاخر، ما بين العام ٢٠١٢ والعام ٢٠١٣، كنا نلتقي هناك وهناك، الا ان زحمة الشباب المقاتلين، واصوات الرصاص العالية لم تترك اي منا يميز الاخر، كان واحدا من الاف المقاتلين المنتفضين من اجل بلادهم، ثم استشهد اخاه، وصار وجوده محددا اكثر، وبدأ الشبان يلتحقون بمجموعات اسلامية وغير اسلامية، ثم يموت قسم منهم، نلتقي في دفن فلان وفلان، صار صديقي واضح المعالم اكثر، انزاحت الحشود في تعقيدات الثورة، وفي مخاضها الصعب، فصار وجهه المبتسم دائما واضحا.

صديق اخر

الى جانبه يقف صديق اخر، ذاك الذي تعرفت اليه من اليوم الاول لوصولي الى مناطق الثورة في سوريا، كل منهما يعبر عن جزء من هذه الحرية، صديقي الاول يقاتل كل يوم بانتظار ان تتحرر بلاده، وصديقي الاخر حر بعمق روحه، ولا يحمل السلاح الا وقت المعارك، لا يلتحق باحد، يتابع حياة يومه حتى تشتعل الارض، فيذهب الى القتال ويعود.
اصيب اصابة بالغة مرة، ثم مرة اخرى، الا انه بقي ضاحك الوجه، ساخر الابتسامة، يضحك من كل شيء، يطلق لحيته ويسخر منها، ثم يحلقها تماما ويسخر من رفاقه، لم يحظ بتعليم لائق، هرب من المدرسة، تماما كما صديقي الاول، ولكنه تمكن من تحسين قراءته بفضل الشريط الاخباري على شاشات التلفزة كما يقول ضاحكا.
يصلني صوته من مكان عميق وهو يصرخ ضاحكا “ألوووووووو” حينها اعلم ان الاوضاع مستقرة وان صديقي بخير ولا يزال يقاتل من اجل بلاد افضل.
لطالما بحث صديقي عمن يشرح لهما ما يحصل حولهما، تبدو الامور شديدة التعقيد، وهما يعلمان ان من يدير القتال في سوريا غير قادر على اطلاعهما عما يجري حولهما، الا ان نتيجة البحث تعال الصفر، فيجلسان ويسخران من كل شيء، ويمضيان في مسعاهما من اجل تحقيق الامور البسيطة، اسقاط النظام وعودتهما الى حياتهما المدنية.
صديقي في حلب يقاتلان اليوم، الاول يقاتل بمفرده كمتطوع، مع ما يملكه من خبرة متراكمة، حينا هنا وحينا هناك، مع هذا الفصيل او مع ذاك، والاخر يلتحق بالمعارك حين تستعر، قبل ان يعود الى منزله ويشرب الشاي وكأن شيئا لم يكن، وينتظر قصف الطائرات على قريته ويتابع شريط اخبار قناة “حلب اليوم”.
الى صديقي والى مئات الاف الشبان السوريين الحالمين بالحرية والذين حرموا من ابسط اسباب الحياة اقل “صباحكم خير، كل صباح وانتم امل سوريا ومستقبل ابنائها”
صباح الخير ايتها الثورة، صباح الخير ايتها البلاد المستعصية اليوم تدخلين في عام اخر من المخاض..

(journalismnl)

السابق
النفايات المشعّة: برّي حمى عدلون.. ماذا عن بقية المناطق؟
التالي
السيسي: أتحدث مع نتنياهو كثيراً و«الإخوان» كانوا سيدمرون الأهرامات