إيران: إمبراطورية تهذي!

ساطع نورالدين

بسهولة فائقة بات يتردد على ألسنة كبار المسؤولين الايرانيين هذه الايام تعبير “الامبراطورية” الذي شطب من القاموس السياسي كمصطلح ومفهوم ومقام منذ نهاية القرن التاسع عشر، ولم يستخدم في القرن العشرين الا من قبل الدول التي أصيب زعماؤها بجنون العظمة.. وغالبا ما تكون صفة “الفارسية” مكملة لتلك العبارة التي لا يزال لها وقع خاص في الثقافة الشعبية الايرانية.

ولا يقتصر رواج ذلك التعريف للدولة الايرانية الحالية على المحافظين من دون الاصلاحيين، او على قادة الحرس الثوري والجيش من دون المدنيين، او على رجال الدين من دون العلمانيين ( وهم كثر في إيران). الجميع من دون استثناء يتباهون اليوم بالمرتبة “الامبراطورية” التي تحتلها بلادهم، ولا يتميزون إلا في درجة ترددهم او سخائهم في إصباغ الصفة الاسلامية عليها، كما جرى في فترات سابقة من عمر الجمهورية الخمينية التي اطاحت بالامبراطور الفارسي الاخير رضا بهلوي، لكنها لم تسقط جميع موروثاته.

وعلى الرغم من ان المرشد آية الله علي خامنئي شخصيا لم يجرؤ حتى الان (حسب الترجمة العربية والانكليزية لخطاباته الاخيرة) على استخدام عبارة “الامبراطورية” لوصف حال الدولة الايرانية التي يقودها، فان الكلمة تحولت الى لازمة ثابتة في كل خطاب سياسي او عسكري طبعا، بل وفي لغة الصحافة والعامة، بما يوحي أن ثمة من طلب إحياء تلك الكلمة السحرية وتعميمها كجزء من عملية التوجيه والتربية الوطنية التي تقوم بها مختلف دول العالم من دون استثناء.

الالتزام بذلك “التعميم”شديد وواسع النطاق، وهو لا ينم بالضرورة عن قوة النظام او عن انضباط الشعب، بقدر ما يعكس شعورا عاما بالفخر لان إيران ما زالت محصنة ضد خطر تفكك للدولة والمجتمع على النحو الذي تشهده غالبية البلدان العربية، بل هي على العكس من ذلك تدير صراعاً سياسياً مع كبرى دول العالم مجتمعة حول ملفها النووي وبالتالي حول موقعها الاقليمي ومكانتها الدولية. ثمة إحساس بالغرور يعبىء المحافظين ويرضي الاصلاحيين، على الرغم من اختلاف وجهتي نظرهما الى مآلات ذلك الصراع ونتائجه. المقارنة تجري هنا مع العالم العربي بالتحديد، لا مع تركيا او الهند او حتى باكستان، حيث يعرف الايرانيون انه لا فرصة لبلادهم في المنافسة..وأيضاً لان الجوار العربي هو ميدان رئيسي للصراع وجبهة أمامية من جبهاته.

لكن الغريب أن ذلك الخطاب التعبوي الايراني يترافق مع إعترافات علنية مدوية، ومن أعلى المستويات الرسمية، ان الدولة على شفير الافلاس وخزائنها المالية شبه خاوية، وان موازين القوى لا تسمح باي مواجهة عسكرية حتى مع حاملة طائرات اميركية واحدة، وأن استمرار الانفاق على المغامرات والتحالفات الخارجية لن يجدي نفعاً لا بالنسبة الى البرنامج النووي ولا الى اي برنامج داخلي آخر.. اما الزعم بان الاختراقات الاخيرة التي حققتها إيران أخيراً في عدد من البلدان العربية، لا سيما في العراق وسوريا واليمن وقبلها لبنان وفلسطين، هي مكتسبات استراتيجية، فهو لا يستقيم مع حقائق التاريخ الذي لم يرحم الايرانيين في اي حرب خاضوها في بلاد ما بين النهرين منذ فجر الاسلام وحتى اليوم، ولن يشفع لهم في معركتهم السورية الخاسرة، ولن يحميهم من الرمال اليمنية المتحركة.. ولن يزودهم طبعاً بأي نفوذ في مفاوضاتهم الصعبة مع الاميركيين.

إيران في حالة إستنزاف شديد، وربما تدخل قريباً في حالة إضطراب مديد. ما يوصف بأنه مشروع توسعي إيراني نحو الغرب العربي (او الاميركي) لا يبدو في العمق سوى تورطٍ في بلدان تسقط يوماً بعد يوم في هوة الفراغ والفوضى، لكنها لا يمكن ان تصبح يوماً مناطق هيمنة دائمة لدولة ذات هوية دينية وسياسية مرفوضة.. تهذي بماضيها الامبراطوري البعيد.

(المدن)

 

 

السابق
ريفي: تهديدات باغتيالي أنا و 3 شخصيات أخرى وحوار المستقبل مع الحزب حبة «Panadol»
التالي
تفجير كشك لبيع القهوة في عين الحلوة