«داعش» يظهر مجدداً في درعا

فيما دخلت «حركة أحرار الشام» على خط الجدل حول فك الارتباط بين «جبهة النصرة» وتنظيم «القاعدة»، عبر الهجوم العنيف الذي شنّه أحد أبرز قادتها على «النصرة» لتمسكها بالتبعية إلى «القاعدة»، كانت محافظة درعا على موعد مع صدمة كبيرة، أحدثها بيان صادر عن «حركة المثنى الإسلامية» يتضمن اعترافاً بشرعية «البيعات» التي حصل عليها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» – «داعش» في مناطق سيطرته.

وجدد بيان «المثنى» أجواء التوتر والاحتقان التي سادت أواخر العام الماضي، جراء الاشتباكات التي اندلعت بين «جبهة النصرة» و «لواء شهداء اليرموك»، بسبب الشكوك بمبايعة الأخير «داعش».
وأصدرت «حركة المثنى الإسلامية»، التي تعتبر من أقوى الفصائل المسلحة في درعا، بياناً ملتبساً، جدد الهواجس والشكوك حول حقيقة تغلغل «الدولة الإسلامية» في صفوف الألوية والكتائب في المنطقة الجنوبية، لا سيما أن صدور البيان ترافق مع اشتباكات عنيفة اندلعت بين الحركة من جهة، و «لواء المعتز بالله» التابع إلى «الجيش الحر» في مدينة طفس غرب درعا من جهة ثانية.
ومن دون مقدمات، أصدرت «المثنى» البيان الذي تضمن اعترافاً منها بشرعية «البيعات» التي يحصل عليها «الدولة الإسلامية» في المناطق التي تخضع لسيطرته، وهو ما يعني أنه إذا سيطر التنظيم على أجزاء من درعا تغدو «بيعته» واجبة على المتواجدين ضمنها، مدنيين ومسلحين. وهي النقطة التي أثارت مخاوف قادة الفصائل المسلحة من أن تكون هناك «بيعة» سرية أو أن البيان يمهد إلى «بيعة» مقبلة.
ولم يشفع للحركة إشارتها في البيان إلى عدم «تحقق مقاصد الإمامة في إعلان الخلافة، بسبب عدم مشاورة أهل الجهاد والسبق»، لأن اعترافها بصحة «البيعات» في مناطق السيطرة يجعل كل هذا الكلام غير ذي تأثير على أرض الواقع، خصوصاً أن الحركة أعربت عن إعجابها بقتال «التنظيم لدول الكفر وأعوانهم من المرتدين وحقّق النكاية بأعداء الله».
وكانت الحركة سبقت هذا البيان ببيان آخر سارت فيه على النهج الذي ابتدعه من قبلها كل من «داعش» و«جبهة النصرة»، حيث أعلنت الحرب على «لواء المعتز بالله» بسبب «إفساده في الأرض»، متهمة إياه بقطع الطريق على «المجاهدين» أثناء الحملة التي يشنها الجيش السوري على المنطقة الجنوبية.
وبالفعل، وقعت اشتباكات عنيفة بين الطرفين ليل الأحد ـ الاثنين أدت إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى، سيطرت جراءها الحركة على مقار اللواء، واعتقلت عدداً كبيراً من عناصره، كما شمل الاعتقال عدداً من المدنيين المناصرين له.
ورغم أن الهدوء الحذر ساد في مدينة طفس بعد توقف الاشتباكات، إلا أن التطورات تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات، خاصة أنه سبق لـ «جبهة النصرة» أن أعلنت الحرب على «لواء شهداء اليرموك» لمجرد الاشتباه بوجود علاقة بينه وبين «داعش»، فكيف بمن يعلن صراحة الاعتراف بشرعية التنظيم وصحة «البيعات» التي يأخذها؟ مع الإشارة إلى أن المشكلة مع «لواء شهداء اليرموك» لم تنتهِ بعد، وقد تتجدد نتيجة استمراره باعتقال أبو عبادة الحمصي من تجمع «كتائب الإيمان»، وهو ما يجعل محافظة درعا مرشحة لتصعيد كبير خلال الفترة المقبلة.
الى ذلك، هاجم رئيس «المجلس الشرعي للجبهة الإسلامية» سابقاً المؤسس الفعلي لـ «حركة أحرار الشام» أبو العباس الشامي (محمد أيمن أبو التوت) «جبهة النصرة»، متهماً إياها بـ «تقزيم الساحة الشامية» ومحاولة حصرها بنفسها، وبـ «قرار زعيمها أبي محمد الجولاني بإعلان الارتباط مع القاعدة».
وفي تلميح غير مسبوق ويحمل الكثير من الدلالات على صعيد العلاقة بين الطرفين، وحقيقة نظرة أحدهما للآخر، تساءل الشامي: «هل خرج داعش إلا من رحم النصرة»، مشيراً إلى «أننا نصحناهم من قبل ظهور داعش بأكثر من سنة بمعالجة تيار الغلو والحزبية قبل أن يتحول إلى قنبلة موقوتة في الجهاد الشامي، ولكن لم يفعلوا، فكان ما كان».
وجاء هذا الهجوم الأعنف من قبل قيادي بهذا المستوى، ردّاً على الموقف الذي أعلنه المسؤول الشرعي العام في «جبهة النصرة» سامي العريدي الذي رفض فيه موضوع فك الارتباط، قبل أن تعلنه قيادته العامة ببيان رسمي فندت فيه ما نسب إليها من مفاوضات حول الموضوع مقابل تلقي دعم خليجي.
ولفت الشامي إلى أنه لولا إقدام الجولاني على مبايعة زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري في ذلك الوقت لما كان بقي لـ «النصرة» أي وجود يذكر، بسبب ذهاب معظم مقاتليها إلى «داعش»، مشيراً إلى أن «الجولاني احتاج إلى الشرعية فكانت القاعدة».
وينبغي التنويه إلى أنه بالرغم من أن الشامي لم يعد يشغل أي منصب رسمي في «أحرار الشام» بعد استقالته من منصبه إثر حادثة مقتل قادة الحركة، لكنه ما زال يتمتع بنفوذ قوي على كبار قادتها الجدد، ويملك تأثيراً في تيار عريض من عناصرها، وذلك بحكم كونه المؤسس الفعلي لـ «حركة أحرار الشام»، لذلك فإن هذا الهجوم، وإن كان لا يمثل موقف «أحرار الشام» الرسمي إلا أنه يعبر عن رأي تيار لا يستهان به داخلها.
وليس هذا السجال العلني الأول من نوعه الذي يحدث بين الطرفين، فقد حدث سجال مماثل في أعقاب توقيع «أحرار الشام» على «ميثاق الشرف الثوري»، حيث سارع العريدي إلى انتقاد التوقيع عليه، واصفاً الموقعين بـ «الانبطاح والتخاذل». وكان ذلك أول ظهور علني للخلافات بين الطرفين التي طالما سعى كلاهما إلى إبقائها طي الكتمان، كي لا تترك أي تداعيات على التطورات الميدانية والعسكرية المحتدمة.
ويأتي السجال الجديد الذي كشف بعداً آخر من أبعاد الخلاف المكتوم بين الطرفين، وسط حالة من التوتر تسود العلاقة بينهما بسبب تداعيات قضية مقتل يعقوب العمر، وتلاعب «جبهة النصرة» بالتحقيقات فيها، حيث سبق لـ «جبهة النصرة» أن أعدمت أبو عبيدة، وهو «أمير شرعي في أحرار الشام» بتهمة قتل العمر بعد تحقيقها معه واستحصالها على اعترافات منه نشرت في وقت سابق على شبكة الانترنت.
وما أثار الشكوك بصحة اعترافات أبي عبيدة، التي قتل بموجبها، أن «النصرة» نشرت مؤخراً مقطع فيديو للقيادي في «حركة حزم» أبو عبد الله الخولي، يتضمن اعترافه بقتل العمر، وهو ما أثار موجة عارمة من الغضب ضدها، ليس من قبل «أحرار الشام» وأنصار «حركة حزم» فحسب، بل من قبل القيادي فيها أبو ماريا القحطاني الذي طالب بتشكيل لجنة محايدة للتحقيق في الموضوع. هذا وما زالت تداعيات القضية تتفاعل وقد تؤدي إلى تطورات غير محسوبة.

(السفير)

السابق
طهران تُطبّق سياسات حافظ الأسد
التالي
الـ CIA تراقب الإنترنت!