نتنياهو يواجه مشاكل في إقناع الإسرائيليين

هناك أغلبية في إسرائيل تؤمن بأنه إلى جانب دوافع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في مناكفة الرئيس الأميركي باراك أوباما في الشأن النووي الإيراني هناك دوافع انتخابية. وليس قرب موعد الانتخابات من موعد إلقاء الخطاب هو الدليل الوحيد على ذلك، ولا حتى استخدام إدارة أوباما للانتخابات الإسرائيلية ذريعة لعدم لقاء أي من مسؤوليها لرئيس الحكومة الإسرائيلية. ومن المؤكد أن هذا البعد كان سيعرض كذريعة من جانب معارضي نتنياهو حتى لو كانت كل نياته خالية من أي دوافع انتخابية.

وفي كل الأحوال عمل الليكود على الإفادة من خطاب نتنياهو أمام الكونغرس معتبراً أن فصاحة نتنياهو كانت بديلاً عن برنامج انتخابي متكامل. فلا شيء يقرب الليكود من الفوز في الانتخابات أكثر من إظهار البعد الأمني، خصوصاً عندما يكون هذا البعد مرتبطاً بمسألة نووية تهدّد وجود الدولة اليهودية ومصيرها، على الأقل وفق ما يشيعون.
ولكن هناك في إسرائيل مَن يشيرون بوضوح إلى واقع أن الظروف العامة في إسرائيل باتت تشهد تدهوراً في أكثر من صعيد اقتصادي واجتماعي. وهناك تحركات متزايدة للعودة إلى حركات الاحتجاج في الشارع باسم مناهضة غلاء السكن وغلاء المعيشة. وهناك أيضاً محاولة لإعلان إضراب عام، خصوصاً في مدن ومستوطنات الجنوب إثر قيام أكثر من شركة بتسريح عمال ومستخدمين.

وقبل يومين شارك عشرات الألوف ضد استمرار بنيامين نتنياهو في الحكم، وهو ما يراه كثيرون انتقاداً لاستمرار اليمين الإسرائيلي في الحكم من دون أن يقود هذا إلى تغيير في حياة الناس. وربما أن العبارة التي تردّدت على لسان المعارضين أثناء خطاب نتنياهو وبعده أمام الكونغرس، هي أن الخطر الاجتماعي والاقتصادي ليس أقل حدة من الخطر الإيراني. وبديهي أن هذا يحتد أكثر عندما يظهر أن أغلب قادة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية يخالفون نتنياهو رأيه في الشأن الإيراني.
صحيح أن رئيس الأركان السابق، الجنرال بني غانتس، أعلنها صريحة أنه حال دون تشجيع هجوم عسكري إسرائيلي على إيران. وصحيح أن أغلب قادة الأذرع الأمنية والعسكرية أشاروا مراراً إلى أن استعدادات إسرائيل لتوجيه ضربة لإيران ليست في جوهرها أكثر من حثّ للأميركيين على التشدد ضد إيران. ولكن الصحيح أكثر من ذلك أن قادة هذه الأذرع صاروا يرون في نتنياهو وطريقته في إدارة المعركة مع إيران أشد خطراً حتى من الخطر النووي الإيراني. فهو في نظرهم دمّر العلاقات مع الإدارة الأميركية وأظهر عجز إسرائيل بإبقائها وحيدة في ظل عزلة دولية متزايدة ليس فقط في الشأن النووي الإيراني، وإنما أيضاً في شؤون أخرى.

ومن المؤكد أن أنصار نتنياهو يردون معتبرين أن هذا الكلام تطرف في المبالغة، حيث إن لإسرائيل علاقات متميزة مع كل من الصين والهند واليابان، وهي علاقات لم تكن بهذه الدرجة في الماضي. وأن الأمور ليست بالسوء الذي يتحدثون عنه لا مع الإدارة الأميركية وبالتأكيد ليس مع دول الاتحاد الأوروبي. ويشيرون بوضوح إلى أن المشهد الذي تبدّى في الكونغرس هو دليل على تغييرات لمصلحة إسرائيل. وهم يتحدّثون بقوة عن إنجازات إسرائيل في المجالات الحربية ضد حماس في قطاع غزة والردع الذي حققته إسرائيل تجاه حزب الله وإيران. ولكن بالمقابل هناك جهات عديدة تركز على أن كل هذه ليست سوى ادعاءات فارغة، حيث تراجعت إسرائيل أمام إيران وحزب الله على الجبهة الشمالية، كما أن الادعاء بشأن الإنجازات ضد حماس يفتقر إلى أسس مضمونة.
لكن كل هذا لا يعني الكثير عند ظهور نتائج الانتخابات. فإذا خسر نتنياهو أو اليمين الحكم، فإن العبرة الوحيدة التي يمكن استخلاصها هي أن الجمهور الإسرائيلي صار أكثر نضجاً وأن تغييرات عميقة حدثت وتدفع نحو التحرر من اعتبارات أيديولوجية حكمت العقدين الفائتين. وإذا فاز نتنياهو واليمين فإن العبرة المعاكسة هي أن الميل ذاته الذي قاد اليمين إلى الحكم بقي على حاله حتى لو حدث نوع من التردد في أداء الجمهور ولو للحظة.

إن انضمام أعداد متزايدة من كبار القادة العسكريين إلى الحملة المناهضة لنتنياهو تشهد على أن السيل بلغ الزبى في المؤسسة العسكرية التي لا تطيق تدمير العلاقات مع الإدارة الأميركية، وتعرف معاني جمود العملية السلمية مع الفلسطينيين. وقاد هؤلاء الحملة الجديدة تحت عنوان «إسرائيل تريد التغيير» لينضمّوا بذلك إلى ما صار يُعرَف في الدولة العبرية بحملة «المهم أن لا يكون نتنياهو».
واضح أن استطلاعات الرأي أعطت لنتنياهو في اليومين الأخيرين نوعاً من ارتفاع الشعبية بعد الخطاب، لكن ذلك لم يكن لا بطريقة حادة ولا بشكل مضمون الاستمرار. إذ تبين أن صعود الليكود ترافق مع هبوط في شعبية البيت اليهودي أو «إسرائيل بيتنا» وهو في النهاية يعني لا تغيير. إذ لم تتأثر المقاعد التي ينالها «المعسكر الصهيوني»، كما أن حزب الوسط، «هناك مستقبل» صار ينال تأييداً أكثر مما كان قبل بضعة أسابيع.

وهكذا فإن المعطيات تظهر أن نجاح نتنياهو في بيع الكلام لأعضاء الكونغرس في واشنطن لم يترك الأثر الكبير لدى الجمهور الإسرائيلي الذي ظل منشدّاً إلى اعتباراته المحلية الخاصة.
(السفير)

السابق
المسلّحون في جرود عرسال يتصدّون بمضادات للطيران الحربي السوري
التالي
هل يحمل المؤتمر العام لحركة أمل تغييرات جذرية تطال بري؟