الموقف التركي من الحكومة العراقية والهجوم على الموصل

ثارت تساؤلات عديدة مؤخرا عن نوع المساعدات التي قدمتها تركيا لحكومة العبادي عندما هبطت طائرتا شحن عسكريتان من طراز (C-130) في مطار المثنى بالعاصمة بغداد بتاريخ 3 مارس الحالي، وذلك بموازاة الزيارة التي قام بها وزير الدفاع التركي عصمت يلماز إلى العراق والتقى خلالها وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي، حيث تعهد الأول بدعم العراق بما يحتاجه من مساعدات عسكرية في المجال الاستخباراتي واللوجستي.

هذا التعهد ليس جديدا، وهو أتى في سياق الانفتاح الذي جرى بين حكومة بغداد وحكومة أنقرة بعد استبدال المالكي، الأمر الذي مهد لزيارة رئيس الوزراء التركي أحمد داود أغلو العراق في 20 من نوفمبر 2014، وهي الزيارة الأولى من نوعها لرئيس وزراء تركي إلى بغداد منذ حوالي أربع سنوات.
وفي المقابل، فقد زار العبادي أنقرة نهاية العام الماضي، وقد اتفق الطرفان نتيجة هذه الزيارات المشتركة على مناقشة كل الملفات مثار الإشكال بينهما، وفتح صفحة جديدة من العلاقات الثنائية، وتعزيز التعاون الأمني وتبادل المعلومات بخصوص مكافحة الإرهاب، واقتراح إقامة تعاون عسكري، وكذلك اقتراح مساعدة تركيا للعراق في النهوض الاقتصادي من خلال استغلال موارده وثرواته بشكل أفضل. وقد تم أيضا خلال هذه الاجتماعات إعادة تفعيل المجلس الاستراتيجي الأعلى بين البلدين الذي تم تشكيله عام 2008 وتوقّف عن العمل لسنوات.
المنطق التركي في الانفتاح على حكومة العبادي يأتي من تصوّر مفاده أنّه وعلى عكس الوضع عندما كان عليه المالكي، فإن هناك فرصة ولو ضئيلة في التأثير على موقف العبادي من خلال انخراط أوسع معه، وأنّ هناك مصلحة تركيّة في أن لا يتم رميه بشكل كامل في الحضن الإيراني، على أمل أن يؤدي ذلك وبمساعدة لاعبين آخرين إقليميين ودوليين في دفعه لاستيعاب السنّة في العملية السياسية، وفي أن يكون أكثر استقلالية في قراراه سيما وأنّه بحاجة إلى كل مساعدة ممكنة من كل الأطراف فيما يتعلق بموضوع مواجهة «داعش».
الظهور السريع لتنظيم «داعش» في العراق وإطاحته بالموصل القريبة من تركيا وتحوّله إلى مهاجمة المناطق السنيّة والاتجاه بعدها إلى شمال العراق عقّد الموقف التركي على اعتبار أنه أضّر بشكل كبير جدا بالمصالح الاقتصادية والأمنية التركية هناك. أضف إلى ذلك أن هجوم «داعش» على المنطقة الكرديّة وضع تركيا في موقف حرج، إذ سارعت طهران التي كانت تهدد الأكراد العام الماضي فقط إلى تقديم المساعدة العسكرية لإقليم شمال العراق مما أعطاها اليد العليا في التأثير على القرار هناك والادعاء بأنّها صاحبة الفضل في مساعدة الإقليم من السقوط بيد «داعش».
وقد قام الجانب التركي بتأطير واضح المعالم لنوع المساعدة التي من الممكن أن يقدمها إلى الجانب العراقي، وتتضمن تدريب عناصر الجيش العراقي (الحديث يدور هنا عن السنّة)، وتزويد الأكراد بالمساعدات اللازمة، وتقديم الدعم العسكري الاستخباراتي واللوجستي، والاستعداد لتقديم المساعدات الإنسانية واستيعاب اللاجئين، وكل هذه الخطوات أيضاً تنسجم ولا تتعارض مع دور تركيا كعضو في التحالف الدولي ضد الإرهاب في حدّه الأدنى.
أمّا موضوع الهجوم على الموصل، فقد أثار تساؤلات أيضاً عن طبيعة الدور التركي في أي عملية عسكرية محتملة للجيش العراقي هناك. الموقف الرسمي والعسكري التركي لم يحسم أمره بعد فيما يريد أن يقدمه في أي عملية عسكرية محتملة، وهو لازال يدرس كل الخيارات المتاحة، علما أن له مصلحة أن يكون موجودا بشكل مباشر أو غير مباشر هناك، كما أن لديه أيضاً ضوءا أخضر تشريعي من البرلمان التركي.
شخصيا لا أعتقد أن تركيا ستشارك بقوات عسكرية على الأرض خاصة إذا لم تكن المعركة محسومة، سيما أننا على أبواب انتخابات برلمانية ومثل هذه الخطوات عادة ما يتم استغلالها ضد الحزب الحاكم إذا لم تكن ناجحة. لكن في المقابل، هناك إمكانية كبيرة في أن تقدم الحكومة التركية الدعم اللوجستي والاستخباراتي وربما الجوي أيضا.
كما ترون فإن مواجهة النفوذ الإيراني لا يتحقق من خلال شكل واحد من أشكال المواجهة وإنما يجب استخدام كل الوسائل الممكنة، السياسية والقانونية والمالية وحتى العسكرية. لا أعتقد أن حظوظ الطرح التركي بالنجاح كبيرة، لكن الأكيد أن تحقق الفرضية التركية في التأثير على العبادي يحتاج إلى زخم أكبر ودعم إقليمي من قبل دول مجلس التعاون الخليجي وباقي الدول العربية، بالإضافة إلى الدعم الدولي. كما أن المشكلة العراقية كالسورية تماما، لا يمكن حلّها إلا بالقضاء على سببها الأساسي وإنهاء السيطرة الإيرانية على الأنظمة السياسية الفوقية والبنى الميليشياوية الطائفية المسلّحة التحتيّة والتي لا ينجم عنها إلا التدمير والمزيد من الإرهاب.

(عربي 21)

السابق
ريما كركي تتصدر الصفحة الرئيسية لموقع «ديلي ميل»
التالي
شقيقة ترمي نفسها وراء أخيها «الشيخ»… فيموت وتصاب بالشلل