عن العيد،لا عن المرأة!

ساطع نورالدين

ليس عيداً، أو عطلة، هو يوم للتأمل في تلك المناسبة التي تنتمي الى ثقافة مضت، ولا يمكن ان تعود.. الا اذا تغيرت قواعد الطبيعة واحوال المناخ بما يسمح للمرأة ان تنال ما تستحق، وبما يتيح للبشرية ان ترتقي الى ما هو مرغوب.

الفكرة التي ولدت من رحم القرن الماضي ومن صراع ايديولوجياته الكبرى، ماتت بالفعل، حتى قبل موت الاشتراكية التي ساهمت في إنجابها ، أو توسع الرأسمالية التي أتاحت للمرأة المزيد من فرص العمل والقليل من فرص الحرية والعدالة. صار يومها السنوي المحدد في الثامن آذار مارس مثله مثل بقية الايام العالمية الفولكلورية التي تحتفي بالطفل والزرع والبحر والفضاء، والسكان الاصليين.. هو مجرد يوم عابر يلفت الانظار الى كائنات حية يتهددها الاختلاف البيولوجي.

في ما مضى كان هذا اليوم موعداَ للثورة، او التمرد، او حتى الاعتصام. كان على الاقل مناسبة لالقاء خطابات المزايدة بين الحضارات او الثقافات او السياسات المتناقضة. كان في الحد الادنى مهرجاناً صاخباً للمرأة وإستعراضاً مؤثراً لتاريخها النضالي المديد، منذ فجر الانسانية وحتى الان.

كان يوم المرأة العالمي يسارياً، فأصبح بلا هوية وبلا مضمون. في نصف الكرة الارضية عودة الى ما قبل اختراع الايديولوجيا او العقيدة، وفي النصف الاخر عودة الى ما قبل اختراع المجتمع او الدولة.. عودة الى الخلية الام للتكوين الانساني، العائلة، من دون ان يؤدي ذلك الى بلورة دور المرأة وتطويره وتحديثه.

ليس من قبيل السهو او الخطأ أن العالم من اقصاه الى اقصاه لم يشهد في هذا اليوم من هذه السنة بالذات تظاهرة واحدة ذات حشد ومغزى، تنادي بحقوق المرأة وتدافع عن حريتها وتطالب بحمايتها. لم تعد هناك جهة، سياسية او اجتماعية او حتى ثقافية، تدعو الى مسيرة كهذه، وربما لم يعد هناك نساء ينزلن الى الشارع انتصارا لقضيتهن التي فقدت بريقها لكنها لم تفقد معناها.. وباتت بلا حجة ايديولوجية او حتى ذريعة بيولوجية.

لعله شكل من اشكال تطور المجتمعات الغربية التي اتسعت فيها بالفعل هوامش العمل والحرية للمرأة، بحيث لم تعد تجتذب غالبية النساء الغربيات. لكن المساواة كانت وتبقى عنوانا مثيراً، لا يخفف من جاذبيته سوى الرجال الذين يزعمون التحضر في دموعهم المسكوبة في مثل هذا اليوم من كل عام الظلم اللاحق بالأم او البنت او الزوجة او الأخت (هكذا من دون العشيقة او الصديقة او الزميلة).. او النساء اللواتي يدعين النسوية وهنّ فيها غافلات، او مارقات..يفسحن المجال لجدل سطحي حول مفاتن المرأة وصورها ونماذجها المحدودة، او حول حقها في ان تكون رئيساً او وزيراً او نائباً، وكأنها بذلك تزيد مناعتها او ترفع مكانتها.

ليس من قبيل الصدفة ان العالم العربي( ومعه أغلب العالم الاسلامي) هو خارج هذا “العيد”، منذ ان انحدر الى ما دون فكرة الدولة، الى الطائفة او المذهب او العشيرة التي لا تعترف أصلا بوجود الأنثى او تعتبره عيباً، او تحشره ما بين الاكتشاف الدائم لدورها الطبيعي الخلاق، وبين الاتهام الثابت بانها أصل الخطيئة ومصدرها. وكأن القصد هو صرف الانظار عن حقيقة ان الالاف المؤلفة من الارهابيين الذين يحطمون الان الثقافة العربية والاسلامية ليسوا من خريجي دور الايتام، بل هم أبناء أسر، بعضها مفكك لكن أغلبها متين جدا ومتصالح مع نفسه ومع بيئته!

ثمة خلل في مقاربة ما يعرف بيوم المرأة العالمي، الذي لم يعد يوماً لقياس مدى تطور اي مجتمع  وتحضره. المسؤولية لا تقع فقط على النساء اللواتي سقطن على الطريق، بل على الرجال الذين ساهموا في مثل هذا السقوط.. في “العيد”.

(المدن)

السابق
Hezbollah MP likens US ambassador to Netanyahu
التالي
مانويل فالس:10 آلاف «جهادي» أوروبي في 2015 في سوريا