الحياة بعد غبار النجوم

عاد نتنياهو إلى البلاد يوم الأربعاء قبل الظهر وهرع إلى غرفة التوجيهات في ديوانه، للردّ بصوته، وأمام الكاميرات، على قول الرئيس باراك أوباما أنه في خطابه أمام الكونغرس، لم يأت رئيس الحكومة الإسرائيلية بأي جديد وأنه لم يعرض أي بديل عملي للاتفاق مع إيران. فزعيم تشرتشلي فخور مثل نتنياهو لم يكن ليترك لسياسي باهت، منهَك، في نهاية حياته السياسية، حق الكلمة الأخيرة. بالتأكيد ليس عندما تظهر ساعة الرمل أنه لم يبق للانتخابات هنا إلا أقل من أسبوعين.

ومن الآن، وفي كل فرصة ستقع أمامه قبل أن يتمّ افتتاح صناديق الاقتراع، هو سيزعجنا بضجيج مثل ذلك الموتور المشهور لعاموس عوز بعد انتخابات العام 1999 عن إيران إيران إيران.. والوقت الذي ينفذ والخطر الفظيع والمحرقة الثانية التي تحوم فوق رؤوسنا. نعم، إنها إيران ذاتها التي كانت في ست سنوات حكم نتنياهو والتي زادت بعشرات الأضعاف عدد أجهزة الطرد المركزي الفعالة التي بحوزتها، وهي قريبة أكثر من أي مرة من التحول إلى دولة حافة نووية، وهي إيران نفسها التي وزير خارجيتها، محمد جواد ظريف، يتبادل الابتسامات في جنيف مع نظيره الأميركي، جون كيري، الذي قبل أيام من ذلك قال بكلام قاسٍ ومهين رأيه في قدرة رئيس حكومة إسرائيل على الحكم.
ونتنياهو لن يتجرّأ على قول كلمة عن الجهاز الصحي المنهار أمام ناظريه، أو عن غلاء المعيشة والسكن هنا. وهناك إشاعة مجربة تحكي عن أنه منذ أسبوعين أرسل له في البريد الألكتروني الآمن البرنامج الاقتصادي – الاجتماعي لليكود، وهو ينتظر من مكان ما أن ينقذوه وأن تراه العيون قريباً.
وماذا إن تمّ نشره؟ هل هذا يعني بالضرورة أنه سيتمّ تنفيذه، بافتراض أن زعيم الليكود سيشكل الحكومة المقبلة؟ فكل طفل يعرف أن الميزانية المقبلة، التي ستكون في كل الأحوال ميزانية لعامين، ستكون فائقة الوحشية وستجثو تحت عبء التقليصات والاقتطاعات.
وقد أظهر استطلاعان نشرا أمس الأول (الأربعاء) بعد يوم واحد من خطاب تلة الكابيتول، وجود انتعاش معين في الحالة غير اللامعة للائحة الليكود. وهي تنال حالياً 23 مقعداً، بعد أن كانت هبطت إلى 21 مقعداً، قريب جداً من الخط الأحمر، وهذا ينذر بالسوء.
وكما كان متوقعاً، كان هذا أسبوعاً جيداً لنتنياهو. وبوسعه أن يقول لنفسه راضياً: «جئت، رأيت، احتللت». ولكن ثمن هذا الانتصار سوف يدفعه مع فائدة قصوى، إذا أفلح في تشكيل حكومته الرابعة، في وقت ما قبيل نهاية نيسان، أو مطلع أيار. فالأسرة الدولية تنتظره عند الزاوية، حاملة نبوتاً كبيراً بيدها. وللفلسطينيين خطة بعيدة المدى في الحلبة الديبلوماسية، وليس مضموناً تماماً أن الولايات المتحدة سوف تخرج هذه المرة عن طورها من أجل أن تستخدم حق النقض (الفيتو)، أو تمّ منع عباس من الادعاء على إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.

في كل حال، فإن الاختبار الانتخابي الحقيقي لنتنياهو ورفاقه ليس في اليوم التالي للخطاب، حيث كان الشعب في إسرائيل لا يزال مذهولاً من المشاهد والأصوات، وإنما في الأسبوع التالي، في الأيام العادية. وإذا كان هذا الرقم، 23، يمثل السقف الزجاجي لليكود في هذه الانتخابات، في نهاية الأسبوع الأفضل لليكود ولزعيمه منذ زمن طويل، حينها فإن لديهم سبباً حقيقياً للقلق. فغبار النجوم الواشنطوني سيخمد في الأيام القريبة والأيام قليلة، والواقع الشاحب، والحياة نفسها، من دون خيارات مفتعلة، وإيلي فيزل على الشرفة، سيعود لتسميم عنوان اللحظة.
ومن الجائز أن تعلن الهستدروت يوم الخميس المقبل عن إضراب عام من اسدود جنوباً، احتجاجاً على إقالات العمال في مصنع كيماويات إسرائيل وعلى أزمة التشغيل المتفاقمة في المنطقة. إن إضراباً في القطاعين العام والخاص، وتظاهرات، وبكاء العمال المسرّحين، والإطارات المشتعلة، قبل خمسة أيام من الانتخابات، ليس الوصفة الشافية التي كتبها الطبيب لليكود. فهناك أصلاً قناعة بأن الهستدروت تعمل بشكل مطلق لمصلحة هرتسوغ.
وقال هذا الأسبوع بنبرة تسليم وقلق غير خافٍ أحد وزراء الليكود: «حتى إذا كان عيدان عوفر سيلغي الإقالات ويمنح مكافأة كبيرة ومظلة ذهبية لكل عامل، فإن الإضراب سوف يعلن». وهو، مثل زملائه، يعرف أن قاعدة الليكود منهكة، مهزومة، محبَطة، وليست متحمّسة للمعركة. ففي تلك المدن والمستوطنات المقرر فيها الإضراب، يوجد أساس قوة الليكود. هناك معاقلها.
في مطلع الأسبوع، قبل يوم أو يومين من ظهوره أمام الكونغرس، أقيم حفل لابنة أحد النشطاء المركزيين في الليكود. وكان فيها عدد غير قليل من أعضاء الكنيست والمرشحين في القائمة. واحد منهم، وهو ليس في مكان مضمون، عاد من جولة بين الفروع والنشطاء، بشعور قاسٍ. هو أيضاً لم يلحظ حماسة تخرج عن المعتاد. وحسب تقديره، «إذا فزنا بـ 21 مقعداً فهذه نتيجة ممتازة».

في كل حال فإن لنتنياهو، وهو ملك الحملات الانتخابية، واستراتيجي انتصارات ولولب المعارك، قاعدة حديدية تقول: «لا تسمح البتة لأي قصة بالتغلّب على قصة». والمقصود، خصوصاً حينما يتعلق الأمر بالقصة الأصلية التي يجب الاحتفاظ بها ورعايتها والحرص على عدم نزولها عن جدول الأعمال.
لذلك من الغريب جداً أن طاقم انتخابات الليكود، الذي يسيطر عليه حصرياً، اقترف خطأ هائلاً ظهر يوم الأربعاء، عندما بث في الشبكة العنكبوتية شريط كرة القدم، ويظهر فيه وزراء الليكود يرتدون لباس الرياضة، في غرفة تغيير الملابس، وأغلبهم يتفاخرون بإنجازاتهم الاجتماعية المجيدة. وبدلاً من مواصلة القرع على طبول إيران إلى أن لا تبقى قطرة عصير في هذه الليمونة، على الأقل حتى مطلع الأسبوع المقبل، قرر مغفل ما عرض الشريط الذي يعيد إلى الملعب الموضوع الأشد فتكاً بالليكود، وهو الموضوع الاجتماعي. وأثار هذا الشريط النكات، واعتبره كثيرون، تسجيل هدف ذاتي في المرمى.

(هآرتس)

السابق
بعد العرض
التالي
الرياض وأنقرة: حسابات الاصطفاف الجديد