هل يعيد التاريخ نفسه؟

“اسأل مجرَّبْ ولا تسأل حكيم”، يقول المَثَل الذي ينطبق نصاً وروحاً على الموقف اللامبالي للقوات الجويّة التابعة للائتلاف الدولي من المواجهات الشرسة التي تشهدها تكريت بين القوى التابعة للجيش العراقي والتجمّعات المنضوية تحت لواء تنظيم “داعش”.

و”المجرَّب” هنا هو لبنان ما غيره. وموضوع التجربة يعود بالتاريخ الى صيف 1958، حيث كانت “الثورة الحمراء” قد توسّعت شرارتها شمالاً وبقاعاً وجنوباً، فيما بقيت محصورة بيروتياً في نطاق ساحة الشهداء والأحياء المحيطة بها.
إلى أن فوجئ اللبنانيّون ذات صباح تمّوزي بسفن الأسطول السادس الأميركي ترسو على طول الشاطئ الغربي انطلاقاً من منطقة عين المريسة.
قيل الكثير في تلك “الرسْوَة” أو الزيارة وأهدافها. إلاّ أن بيت القصيد هو في موقف أو موقع آخر، التقى وزير خارجية لبنان في تلك الحقبة الدكتور شارل مالك وزير خارجية أميركا جون فوستر دالس… كموفد من لُدُن الرئيس كميل شمعون.
قال مالك لدالس: الرئيس شمعون يسأل إذا كان الأسطول جاء ليدفع الخطر الناصري عن لبنان، وهل ستعلنون موقفاً من الرئيس المصري؟
فردّ دالس: بلِّغ الرئيس شمعون أنه إذا كان مفكّراً أننا سنبدّيه على عبد الناصر، يروح يخيّط بغير هذه المسلّة…
وكان أن تلقت المعارضة وثورتها برقيّة من الرئيس المصري تنقل إلى مَنْ يعنيهم الأمر تفاهم واشنطن مع عبد الناصر على أن يكون اللواء الأمير فؤاد شهاب هو الرئيس الذي سيخلف الرئيس شمعون.
كانت هذه المقدّمة الطويلة مجرّد توطئة للدخول إلى موضوع المنطقة العربيّة وتطوّراتها الناريّة ومتغيّراتها السياسيّة، وانخراط إيران عسكريّاً وعلى نطاق واسع، سواءٌ في العراق أم في سوريا، وحتى في اليمن… ناهيك بلبنان. فيما تتفرّج المقاتلات الحربجيّة التي تحمل هويّة أربعين دولة، على ما قيل، من بعيد لبعيد كأن الأمر لا يعنيها.
هنا، عند هذه النقطة تحديداً، عند الدور الإيراني حالياً ومستقبلياً، وعند الموقف الأميركي سياسيّاً وعسكريّاً من النمو السريع للمهمات الإيرانية وتوسُّع انتشارها العسكري، تتركّز الأنظار وتتراكم الأسئلة. ومنها على سبيل المثال: هل تتكرّر قصة الأسطول السادس وحوار دالس ومالك على مستوى الأحداث الدراماتيكيّة في العالم العربي؟ ويتكرّر، تالياً، السؤال اللبناني بصيغة عربيّة حول هدف إيراني لا مصري؟
لقد جُبِهَت زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري السعودية بفيض من الأسئلة حول هذه المسألة تحديداً. إلا أن أجوبة كيري لم تختلف في مضمونها وفحواها عن رسوّ سفن الأسطول السادس على شواطئنا.
سؤال آخر يتّصل بالفراغ الرئاسي في لبنان: هل يعيد التاريخ نفسه، مع تعديل لجهة حلول إيران محل مصر؟

(السفير)

السابق
بالأسماء: أبرز المواقع الأثرية التي دمرها «داعش» في العراق
التالي
مركز الضمان في طرابلس.. موظف لكل ألفي مضمون