رهان أوباما على النووي الإيراني

في كانون الثاني (يناير) 2014، تناول الرئيس باراك أوباما اوضاع الشرق الأوسط وإيران في مقابلة مع مجلة «نيويوركر»، ورأى أن حظوظ ابرام اتفـــاق مـــع ايران حول ملفها النووي هي أقل من 50 في المئة. ولكنـــه لم يبد تشاؤماً، وقال إن شاغله هو إرساء « توازن جديد جغرافي – سياسي أكثر استقراراً من حال الحرب الأهلية والإرهاب والمعارك الطائفية». وبدا أن أوباما يحلم بدور جغرافي – سياسي تنعقد ثماره ويساهم في تغيير المعطيات في الشرق الأوسط. وفي تصريح آخر، قال إن «أمام الإيرانيين طريقاً يسلكونه للخروج من العزلة…». ولمح الرئيس الأميركي الى امكان التعاون مع إيران في موضوعات اخرى غير الملف النووي. وهذا الاحتمال كان مدعاة قلق في اسرائيل ودول عربية.

ولكن هل ثمة «لعبة كبرى» مع إيران تتكتم عليها ادارة أوباما؟ والإيجاب هو جواب بعض المراقبين، ومنهم مايكل دورن، المدير السابق لشؤون الشرق الأوسط في المجلس الأمني التابع لجورج دبليو بوش، وباحث في معهد هودسون. «في عهد بوش، أميركا انتهجت نهج الشريف (مسؤول الشرطة) الذي يجند قوات من اجل ملاحقة الوحوش؛ في عهد أوباما أميركا تسعى الى نزع سلاح الخصوم من طريق ضمهم الى شبكة من التعاون»، كتب دورن في مجلة موزايك. فأوباما يحلم بتقارب مع إيران يحاكي تقارب نيكسون مع الصين، يقول الباحث. وهو يرى ان الرسائل الشخصية المتبادلة منذ 2009 بين أوباما والمرشد علي خامنئي، والمفاوضات الثنائية السرية قبل انتخاب الرئيس حسن روحاني في ربيع 2013، هي مؤشرات لا يستهان بها الى هذا المشروع. وهو على يقين من أن واشنطن اتفقت ضمناً مع طهران على بقاء الأسد في منصبه. ووفق صحيفة «وول ستريت جورنال»، وجه اوباما رسالة الى خامنئي في تشرين الثاني (نوفمبر) الأخير يبلغه فيها ان بلاده لن تستهدف قوات الأسد والقوات الإيرانية في حملتها على «الدولة الإسلامية».

ونقل دورن عن جنرال أميركي رفيع المنصب، أن الاتصال بين الولايات المتحدة وإيران يجري على قدم وساق من طريق العراق للتنسيق حول «داعش» والحؤول دون تضارب العمليات الإميركية والإيرانية.

ويبدو ان الإدارة الأميركية ترى أن في وسع طهران أداء دور ايجابي في المنطقة. وهذا رأي شائع في واشنطن. «ثمة نقاط مشتركة كثيرة تجمع بين الولايات المتحدة وإيران، من جهة، وبين إسرائيل وإيران من جهة ثانية. ولكن المشكلة الوحيدة هي ان ايران جمهورية اسلامية! وكل حلم بالتقارب معها مصيره الفشل»، يقول مايكل دورَن وهو يشير الى دور إيران في رعاية الإرهاب. ووفق هذا الباحث المحافظ، خلفت أفكار مديريْ مجموعة دراسات حول العراق، لي هاملتون وجايمس بايكر، أثراً بالغاً في آراء اوباما. وسبق أن دعا هذان الباحثان الرئيس بوش الى سحب القوات الأميركية من العراق، والانصراف الى شؤون افغانستان، واستئناف عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية، والانفتاح ازاء ايران وشريكها السوري… ويبدو أن أوباما التزم بنود هذه الدعوة بنداً بنداً. وسبق لأبرز مستشاري أوباما وأقربهما اليه، دنيس ماكدونو وبن رودس، العمل مع هاملتون وبايكر.

ومع اقتراب موعد اتفاق الإطار السياسي في آذار (مارس) لمفاوضات النووي الإيراني، كثرت الآراء التي توجه سهام القلق والنقد الى مشاريع أوباما الإيرانية. ونقلت افتتاحية لصحيفة «واشنطن بوست» عنوانها «الانحراف نحو ايران»، قلق ديبلوماسيين اميركيين سابقين، منهم هنري كيسنجر في تصريحاته امام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ. وينظر هؤلاء بعين القلق الى مفاوضات ابتعدت عن أولوية إلغاء قدرة ايران على انتاج سلاح نووي، ورجّحت كفة التسامح مع هذه القدرة وتقييدها موقتاً. وتشير الافتتاحية الى أن البيت الأبيض عاجز عن مواجهة مساعي ايران العدوانية من اجل بسط هيمنتها في الشرق الأوسط (خصوصاً في اليمن)، وأنه مستعد للقبول بدور طهران الإقليمي، ولو على حساب اسرائيل وغيرها من الحلفاء. ونشر مارتن أنديك، الديبلوماسي السابق في ادراة اوباما، مقالة تشير الى ان اضطرابات المنطقة قد تحمل واشنطن على الاختيار بين تقارب كبير مع إيران وبين الاصطفاف وراء حلفاء عرب وإسرائيل… ويرى ان ثمة مصالح تترتب على ترجيح كفة الخيار الأول، إذا ابرم الاتفاق النووي، وقد تؤدي الى سياسة مشتركة لإطاحة بشار الأسد في دمشق ومكافحة «الدولة الإسلامية». ويطعن أنديك في هذا الخيار، ويقول إن من يتخيل ان المرشد الأعلى قادر على تجاوز رهابه ازاء واشنطن «واهم». ويقترح «العودة» الى الشراكة مع الحلفاء. ولكن مقالته تشير الى ان البيت الأبيض يميل الى الخيار الإيراني.

وثمة باحثون مقربون من الإدارة الأميركية ينفون هذا الميل، ويدحضونه بالإشارة الى زيارة أوباما الرياض والوفد الكبير الذي رافقه. ويقول براين كاتوليس من مركز «سنتر فور اميركن بروغرس» ان اميركا تحتاج الى المملكة العربية السعودية من اجل إلحاق الهزيمة بداعش. ويرى شاس فريمن، الديبلوماسي الأميركي السابق، أن البيت الأبيض يفتقر الى استراتيجية شاملة ومتماسكة و»أصواته غير متجانسة ولا متناسقة كما لو انها اصوات نقيق ضفادع في بئر…».

ولم يقتنع الجمهوريون بما يسوقه البيت الأبيض حول المفاوضات النووية، وهم أعلنوا انهم لن يصادقوا على اتفاق متساهل مع ايران، ويعدون العدة للتصويت على سلسلة عقوبات جديدة في نهاية آذار. ولوح الرئيس اوباما بنقض العقوبات الجديدة، إذا برز اتفاق مع الإيرانيين. «كثر في واشنطن وطهران يسعون الى اجهاض المفاوضات. لذا، احتمال نجاحها ضئيل»، يقول فريمان. ولكن مقربين من الاستخبارات الأميركية يرون ان أميركا وإيران لم تكونا يوماً اقرب من اليوم الى ابرام اتفاق.

(لوفيغارو)

السابق
الرئيس اليمني يعلن عدن عاصمة للبلاد
التالي
3 جرحى على طريق عام جويا