حقل شمسي فوق نهر بيروت

حقل على نهر! لكنه ليس لإنتاج الخضار والثمار، بل هو حقل لاقطات لإنتاج كهرباء من شمس لبنان. امتداد أزرق من اللوحات الشمسية يغطي نهر بيروت بين جسر أرمينيا وجسر يريفان في منطقة برج حمود. هذا الحقل الشمسي هو الآن بقدرة ميغاواط واحد، ويمكنه تأمين نحو 1,6 مليون كيلوواط/ ساعة سنوياً، تكفي حاجة نحو ألف منزل. ويقدَّر أن يوفر نحو ألف طن مكافئ من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون سنوياً. الأعمال التنفيذية شارفت على النهاية: 3600 لوحة شمسية مركزة على هيكل من عوارض خرسانية ممتدة على عرض النهر مع دعامات فولاذية، بطول 325 متراً وعرض 32 متراً، يشكل «جسراً معلقاً» من دون أي اعتراض لمجرى النهر. ويتوقع ربط الحقل الشمسي بالشبكة العامة في أيار (مايو) 2015، من خلال محوّل ومن دون تخزين. وستكون أولوية الاستفادة لأهل برج حمود، هكذا يشعرون بميزة «امتلاك» طاقة نظيفة مميزة ينتجها سطح النهر العابر في منطقتهم.

لكنها المرحلة الأولى من «مشروع نهر بيروت للطاقة الشمسية» الذي سمي بالإنكليزية «ثعبان نهر بيروت الشمسي» (Beirut River Solar Snake)، وهو جزء من الخطة الوطنية لكفاءة الطاقة التي عمل عليها المركز اللبناني لحفظ الطاقة ووافق عليها مجلس الوزراء في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011. والهدف النهائي للمشروع إنتاج 10 ميغاواط من حقول الطاقة الشمسية على امتداد 6 كيلومترات فوق مجرى النهر خلال نحو خمس سنوات، تكفي حاجة 10 آلاف منزل. وقد أمنت وزارة الطاقة والمياه تمويل المرحلة الأولى بثلاثة ملايين دولار. ويؤمل ببدء المرحلة الثانية خلال 2015 لإنتاج ما بين 1 و2 ميغاواط، بحسب الموازنة، إذ إن كل مرحلة تموَّل من قيمة إنتاج الكهرباء في المراحل السابقة.

لبنان، بلد الـ300 يوم مشمس في السنة، يتفاخر بميغاواط واحد من الكهرباء الشمسية؟

يقول المهندس بيار الخوري، مدير المركز اللبناني لحفظ الطاقة، أن أهمية مشروع نهر بيروت للطاقة الشمسية ليست في قيمته المادية فقط، بل في تحريكه السوق الشمسية. فمنذ بدء تنفيذه في أواخر عام 2013، تم تركيب أنظمة فوتوفولطية في أنحاء لبنان بقدرة إجمالية تصل إلى 30 ميغاواط في مؤسسات القطاع الخاص، من مصانع ومدارس ومستشفيات وغيرها. وفي حين رسا تنفيذ المشروع على تحالف «فينيكس أساكو» الذي تقدم بالسعر الأدنى، فإن الشركات الاثنتي عشرة التي شاركت في المناقصة تعمل حالياً على تركيب اللاقطات الفوتوفولطية في المناطق لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية.

توقع الخوري تركيب ما بين 200 و300 ميغاواط إضافية بحلول سنة 2020 إذا فُتح للقطاع الخاص باب إنتاج الكهرباء الشمسية وربطها بشبكة مؤسسة كهرباء لبنان. فقد أقر مجلس النواب قانوناً في نيسان (أبريل) 2014، تعمل الحكومة على إعداد آليات تنفيذه، يسمح للحكومة بإعطاء رخص لإنتاج الكهرباء بناء على اقتراحي وزارة الطاقة والمياه ووزارة المال. وقد تم تقديم الاقتراح، وهو يناقش حالياً في مجلس الوزراء. أما الصيانة فأهم ما فيها تنظيف الألواح الشمسية من الغبار، وهو سيتم باستخدام خراطيم المياه، فضلاً عن تغيير الألواح التي تنكسر لسبب ما. ويقام سياج بعلو ثلاثة أمتار على ضفتي النهر لمنع الوصول إلى الألواح، مع حراسة دائمة وكاميرات مراقبة على امتداد الحقل الشمسي.

النهر الشمسي لن يكون لإنتاج الكهرباء فقط، بل يأمل القائمون عليه بأن يكون «واحة تنظيم مدني». وذلك عبر خطة مستقبلية تتضمن حديقة عامة تركز على ترويج مفاهيم الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، وإقامة ممر للعبور مشياً على «الجسر الشمسي» الذي يفصل بين بيروت وجبل لبنان في منطقة برج حمود ويعتبر أعرض جسر نهري في لبنان. وستقام لوحة إعلامية يراها المارة تظهر كمية الكهرباء المنتجة في الأوقات المختلفة، وكمية الانبعاثات الكربونية التي يتم تفاديها، والفوائد البيئية للمشروع.

أضاف الخوري باعتزاز: «قيمة المشروع أيضاً أنه الحقل الشمسي الأول في العالم الذي يقام فوق مجرى نهر». وقد أقيم في الأردن مشروع من هذا النوع على قناة في العقبة، كما تنفذ الهند خطة طموحة لإقامة حقول شمسية على قنواتها المائية. وأشار إلى مشروع وشيك لحقل شمسي في منطقة الزهراني، حيث محطة «تابلاين» لتكرير النفط المتوقفة عن العمل منذ سنين طويلة. المنشآت هناك تستعمل لتخزين الوقود، وثمة مساحة واسعة من الأرض تابعة لوزارة الطاقة، تمكن إقامة حقل شمسي عليها بتمويل من منشآت النفط. والهدف إنتاج ميغاواط واحد في المرحلة الأولى، يضاف إليها 2 ميغاواط بعد الربط على شبكة مؤسسة كهرباء لبنان. وقد تم تقديم تسعة عروض، ويتوقع اختيار الشركة المنفذة قريباً وبدء العمل في أيار (مايو) 2015. وستكون الكلفة أقل والتنفيذ أسرع مما في مشروع نهر بيروت، إذ سيقام الحقل الشمسي على الأرض من دون حاجة إلى مد جسور فوق المياه، ويمكن إنجاز المرحلة الأولى قبل نهاية 2015. قد تكون المشكلة في لبنان قلة الأراضي المتاحة، لكن هناك أماكن عامة تمكن إقامة حقول شمسية عليها. لا يجوز أن تبقى النظرة إلى البلد كأنه عقار للبيع ممنوع استخدامه للمصلحة العامة. يجب استعمال المشاعات لإفادة الناس لا الطوائف وأصحاب النفوذ.
(الحياة)
 

السابق
قائد القطاع الشرقي في اليونيفيل يلتقي فاعليات دينية
التالي
أميركا وإسرائيل علاقة استراتيجية من طرف واحد