إيران تتمدد لكنها ليست باقية

زيد الجلوي

دولة البغدادي لا تتمدد ولن تبقى, فقد ظنت قبلها “طالبان”, أنها باقية وتتمدد, لكنها لم تبق, ولم تتمدد, لأن من قضوا على الحكم الذاتي للشيشان, ذاتهم من قضوا على حكم طالبان. ولا يختلف تمدد إيران كثيرا في الجمهوريات العربية الثائرة وغيرها, فبداية العمران على أسس غير عادلة بدء الخراب. وليس أظلم من احتلال بلدان, وقمع شعوبها المطالبة بحقوقها من حكوماتها, في تناقض جلي مع مبادئ الثورة الإيرانية, الناصرة للمظلومين كما بان زيف ذلك.
أما أدلة تمدد إيران فقد باتت واضحة, لكن ومع الثورات العربية, باتت طهران متورطة بقواتها المسلحة, بعدما كانت تقاتل بجنود نظام بشار الأسد, الذين انشقوا عنه. واستعمالها للميليشيات العراقية التي ظهرت الانقسامات في ما بينها واضحة, حتى صار طيرانها يقصف في غرب العراق, وتتحفز لإقحام حرسها الثوري في معارك الأنبار وصلاح الدين, تحوطا من استقلال تلك النواحي العربية ذات الغالبية السنية. أما في سورية فقد تورطت بشكل علني, وكذلك في اليمن بإرسالها الأسلحة, وجنودها نصرة للحوثيين. الذين يواجهون هيجانا ثوريا, لن يتقبل حكمهم للبلاد.
لقد حاذرت تل أبيب من جزئية ” حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل”, لأنها ستكون أشبه بمن حاول ابتلاع لقمة أكبر من فمه, مؤدية إلى خنقه وموته. وهي القشة التي سوف تقصم ظهر النظام الإيراني لأن تمدد الحديد المشهود بصلابته, متى تمدد سوف يكون على حساب قوته, وهذا ما يحدث مع الإيرانيين, الذين لن يتمكنوا من تثبيت أركانهم في أي بلد تواجدوا فيه حيث ينظر إليهم كقوة احتلال. بالإضافة إلى أن محيطهم نافر أيديولوجيا تجاههم, وكذلك متحسس قومي منهم. وهو ما يجعلهم نقطة في محيط, كما قال المفكر العراقي حسن العلوي للشيعة. الذين تسبب تحالف الحرس الثوري, ومتأكسدي الفقه الطائفي من المحافظين الإيرانيين, بنشر صورة سيئة للفرد الشيعي, لا تعكس حقيقته التي يحاول بخشية, أن يعبر عن خلافها. إن “محاولة الاحتفاظ بكل شيء تعني انكم لن تحافظوا على شيء”, وهي مقولة للملك البروسي فريدريك, التي أوردها الكاتب الأميركي بصحيفة و”اشنطن بوست “ديفيد اغناتيوس, في مقالته المعنونة ب¯ ” باتفاق منقوص”, التي نشرتها صحيفة “الشرق الأوسط”, وهي الواردة ” كتوبيخ لأولئك الذين رفضوا السماح بتقديم تنازلات”, ولكن للرئيس الأميركي باراك أوباما, العامل على الأقل على إيجاد شرق أوسط أكثر أمنا. إلا أن مقالتنا تعكس ذلك على الإيرانيين, الذين لا يقدمون تنازلات, ويتخلون عن أطماعهم الأمبراطورية القديمة, منشغلين ببناء علاقات جيدة مع جوارهم, والآخرين على أساس غايته رفاهية الفرد الإيراني المثقل بشقاء الحروب والصراعات الاستنزافية.
إن ما أدى إلى تفكك الإتحاد السوفياتي, هو جر الأميركان لهم الى سباق تسلح, أدى إلى إرهاقهم, وبالتالي فقدانهم لمناطق نفوذهم الواسعة. حتى روسيا ذاتها لم تعد قادرة على التماسك, مهما حاول فلاديمير بوتين ذلك, لأن سبب انهيار الامبراطوريات جميعها, عدم مطابقة التطبيقات العملية للنظريات. وهذا ما تعمل الولايات المتحدة الأميركية إلى عدم الوقوع به, وفقا لتحذير زبيغنو بريجنسكي بكتابه “الفرصة الثانية” وغيره من عتاة المفكرين. يصف حالتهم لسان أمير الشعراء أحمد شوقي, بقوله ” إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا”.
الحالة التي لا تنطبق على الإيرانيين والروس والترك, فجميع هؤلاء من أهل الحنين إلى تمجيد الزمن التليد, تراهم منبوذين بالعراء, حتى من شعوبهم. فإيران تعيش خلافات خطرة للغاية, وإن نهاية عمر الخامنئي التي يقدرها الأطباء بعامين, بسبب انتشار السرطان بجسده, وفق صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية, له ما بعده على الواقع الإيراني. أما بوتين الذي يقتل كبير معارضيه على بعد خطوات من قصره, لن يكون بحال أفضل, إضافة إلى ما يشاع عن إصابته هو الآخر بمرض السرطان, سوف يفجر الصراعات إثر وفاته, وهي أمثلة على عدم الثقة في استمرارية الأنظمة المتخذة الديمقراطية شكلا, تواري به سوء استبداديتها. وكذلك تركيا الأردوغانية المنقلبة على الانتقالية السلمية للسلطة, ودعمها الحركات الإرهابية على طريقة القذافي, غالبا ما تنتهي إلى تمزيق وحدة الدولة.
هذا ما نتوقع حدوثه مع الجمهورية الإيرانية, التي توافرت فيها مسببات انهيارها, بسبب ما تعانيه عملتها من مشكلات, وانعكاساتها غير الخافية على المستوى المعيشي للشعب, والغضب الجماهيري من السياسة الخارجية, وامتدادها إلى رجالات الثورة في ما بينهم, والمختتمة بتقييد حرية كروبي وموسوي, وصعوبة نسيان قمع الحركة الاحتجاجية الخضراء, وملاحقة شرفاء “أشرف” في العراق قتلا بعد تشريدهم, وتشريد غيرهم من المعارضين الإيرانيين. الذين يجدون أن حالة كل فرد منهم, تشكل مظلومية تستوجب الخلاص من السلطة الحاكمة لهم.

(السياسة)

السابق
إنترنت مجاني في 100 بلد قريبًا
التالي
ممثل تركي يشارك مي حريري كليبها الجديد!