أميركا وإسرائيل علاقة استراتيجية من طرف واحد

العلاقات الاميركية – الاسرائيلية حالة وحيدة لا شبيه لها في العلاقات الثنائية بين الدول. فلا معيار او مقياس او مصالح تبرّر هذه العلاقة غير المتوازنة بين دولة عظمى ودولة اخرى.

امن اسرائيل ونفوذها مرتبطان بشكل اساسي بالولايات المتحدة، وعلى رغم ذلك تتصرف اسرائيل وكأن الدولة التابعة لها هي الولايات المتحدة. فالـ 121 مليار دولار التي حصلت عليها اسرائيل من اميركا منذ 1949 (تقديرات خدمة الابحاث في الكونغرس)، وهي قيمة المساعدات الاقتصادية والعسكرية، اضافة الى نحو 20 مليار دولار في عهد اوباما وطلبه تخصيص حوالى 55% من مجموع المساعدات الخارجية الاميركية لاسرائيل للعام 2015، غير كافية لكي يقتنع رئيس وزراء اسرائيل نتنياهو بألا يتحدى الرئيس الاميركي في عقر داره.
انها الغطرسة الاسرائيلية وليس حملة نتنياهو الانتخابية او حماقته التي تفسر هذا السلوك الاستفزازي الذي لا يقدم او يؤخر في مسألة التفاوض مع ايران حول برنامجها النووي، اذ تزامن خطاب نتنياهو الناري مع اجتماعات عمل هادئة بين وزيري خارجية اميركا وايران في سويسرا. انه التحدي الوقح لولد يتطاول على اهله وهو بحاجة لرعايتهم ودعمهم. نتنياهو يعلم ان التحدي لن يكون سوى غيمة صيف والعلاقة المتينة بين الدولتين لن تتأثر، وسيقال للمنتقدين ان نتنياهو متهوّر واسرائيل، الدولة الديموقراطية، لا يختزل موقفها رئيس حكومة تعارضه اكثرية الشعب الاسرائيلي. اهمية الحدث في رمزيته وليس في تداعياته. فالعلاقة الاستثنائية لمصلحة اسرائيل لن تتبدل والتراخي الاميركي سيستمر، وهو يتجاوز النفوذ الكبير للّوبي اليهودي المؤيد لاسرائيل، بمعزل عن هوية رئيس الحكومة الاسرائيلي وسياسته. وما اصرارداعمي اسرائيل لاصدار عفو رئاسي عن جوناثان بولارد، الاميركي اليهودي المحكوم بالسجن المؤبد منذ 1987والمتهم بالتجسس لمصلحة اسرائيل وبتسريب معلومات تهدّد الامن القومي الاميركي، سوى دليل على ان الدعم لاسرائيل لن يتغير، وإن تراجع قليلا في السنوات الاخيرة.

هذا الواقع لم يكن قائما في الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي، عندما كانت اسرائيل تحصل على دعم اميركي محدود، وعندما أجبر الرئيس الاميركي ايزنهاور اسرائيل وبريطانيا وفرنسا على الانسحاب غير المشروط من السويس في 1956 للتأكيد على ان الولايات المتحدة هي صاحبة القرار في المسائل الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية وليس الحلفاء. تبدلت العلاقات الاميركية – الاسرائيلية بعد حرب 1967 فارتقت اسرائيل الى مرتبة الحليف وباتت “قيمة استراتيجية” (strategic asset) بعدما كانت”قيمة معنوية” (moral asset) في مرحلة ما قبل 1967، وهي الدولة المحاطة بالاعداء، وبالتالي حقها بالوجود (right to exist) وبتلقي الدعم الاميركي، بحسب القراءة الاميركية الداعمة لاسرائيل. والمفارقة ان الدعم العسكري الاميركي لاسرائيل تزايد باضطراد في زمن تفوق اسرائيل العسكري منذ 1967 وليس بسبب ضعفها.
وفي المسائل الكبرى، ما هي الخدمات التي قدمتها اسرائيل الى الولايات المتحدة؟ ففي الحرب على الارهاب الدائرة في العراق وسوريا، ما دور اسرائيل في التصدي لارهاب”داعش” او “القاعدة” في العراق وافغانستان، وقبل ذلك في التحالف الدولي والاقليمي لتحرير الكويت وفي انهاء الحرب العراقية- الايرانية في 1988، او في حماية الممرات البحرية للنفط في الخليج العربي؟ اما بالنسبة الى المواجهة مع الاتحاد السوفياتي في حقبة الحرب الباردة، فلا اهمية للدور الاسرائيلي بالمقارنة مع الدور المحوري لايران في عهد الشاه وتركيا، العضو في الحلف الاطلسي، والسعودية (ومنظمة المؤتمر الاسلامي) التي كانت اكثر المناهضين للشيوعية، أو مصر بعد اتفاقية كمب ديفيد في 1979. فما القيمة الاستراتيجية للدعم الاسرائيلي لاميركا بالمقارنة مع دول حليفة اخرى في الشرق الاوسط؟ هنا نصل الى ايران الاسلامية، وهي في عداء مرير مع واشنطن منذ 1979. كيف يمكن لاسرائيل ان تتصدى لايران: بالاحتواء المزدوج (dual containment) الذي درج الكلام عنه في الثمانينات، وهو طرح اقرب الى الهلوسة الفكرية، أو في افغانستان والعراق حيث كان التعاون مع ايران وباكستان اكثر حاجة للمصالح الاميركية من دعم اية دولة اخرى؟ وحتى في مجال المخابرات والعمليات السرية فاسرائيل لاعب ثانوي بالمقارنة مع “صندوق الفرجة” المفتوح من المحيط الى الخليج. لكن لا بد من التسليم بأن ما من دولة تجاري اسرائيل لجهة جهوزيتها الدائمة في اختبار الاسلحة الاميركية في فلسطين ولبنان وعلى رؤوس المدنيين.

اما في النزاع العربي- الاسرائيلي، فأين مصلحة اميركا في اتباع سياسة دعم لا حدود له لاسرائيل وتغطية الانتهاكات الاسرائيلية المتمادية لحقوق الانسان وللقانون الدولي وتحمّل تبعة التآكل لصدقيتها في المحافل الدولية، واين المصلحة الاميركية في معاداة العرب والمسلمين بسبب الدعم الاميركي لاسرائيل؟ فما اهمية اسرائيل موضوعيا بالمقارنة مع المملكة العربية السعودية (ودول الخليج العربي)، ليس فقط بسبب ثرواتها النفطية بل ايضا بسبب نفوذها الكبير، عربيا واسلاميا، والمملكة متحالفة مع اميركا في مسائل حيوية قبل نشوء دولة اسرائيل، وتشتري منها السلاح بمليارات الدولارات بينما تقديمات واشنطن لاسرائيل تكلف المواطن الاميركي ما يوازي 10 ملايين دولار يوميا (تقديرات 2014).

تاريخيا، الكونغرس الاميركي هو القلعة المنيعة التي تختزن التأييد المطلق لاسرائيل، اما التأييد الرئاسي فلم يكن دائما بلا قيد او شرط، منذ ترومان وايزنهاور، مرورا بكارتر وجورج بوش الاب، عندما اطلق المفاوضات العربية – الاسرائيلية في 1991 على رغم معارضة حزب الليكود الحاكم، وصولا الى اوباما الذي اصطدم مع نتنياهو في بداية عهده وعاد وتراجع عن موقفه الرافض للاستيطان الاسرائيلي. نتنياهو الآن يفتعل صداما جديدا مع اوباما حول ايران النووية في موازاة اسرائيل النووية منذ منتصف خمسينات القرن العشرين. انه توازن رعب نووي قد لا يتعارض بالضرورة مع المصالح الاميركية. وفي حال شكلت ايران خطرا على استقرار المنطقة ومصالح اميركا، فالاكيد ان من يردع ايران دول الشرق الاوسط وروسيا وليس اسرائيل.

(النهار)

السابق
حقل شمسي فوق نهر بيروت
التالي
الحرب على «داعش» حقيقة أم وهم؟