مصر… تآكل تدريجي ومتواصل في صورة النظام وهيبته

مصر

تسارعت وتيرة تآكل وانهيار صورة نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي في مصر، وبدت الهالة أو الهيبة التي رسمها لنفسها بمعية إعلامه الصاخب تتآكل يوماً بعد يوم بفعل الإخفاقات الكبيرة داخلياً وخارجياً، حيث النزوع إلى القمع والاستبداد والبطش في الداخل والحربجية في الخارج، كما العجز عن خلق تحالفات إقليمية ودولية جدية لمجاراته في سياساته الطائشة في الداخل والخارج على حد سواء.

بدا التآكل في هيبة النظام مع العجز عن تحسين الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية للمصريين، رغم المعونات والمساعدات المالية الهائلة التي انهالت – كالرز وكاش – على النظام بعد الانقلاب؛ والبالغة 30 مليار دولار تقريباً، ولم يطرأ تحسّن جدّي على مناحي الحياة المختلفة من صحة تعليم غذاء ومواصلات، كما على البنى التحتية المنهارة. وذهبت الوعود التي أطلقها الجنرال في برنامجه الانتخابي الشفهي إدراج الرياح مع تبدّل واضح في النغمة أو اللهجة لجهة الإقرار بصعوبة الأوضاع المدمرة التي تحتاج سنوات – وربما عقود – للإصلاح والتغيير، وهي اللغة التي لم تستخدم بالمناسبة زمن الرئيس السابق محمد مرسي.
أما الفشل الذريع للنظام، والذي أدى إلى تسارع وتيرة انهيار وتآكل صورته، فكان في درة التاج من برنامجه الانتخابي الشفهي مقصود بالطبع الملف الأمني، حيث لم تتحسن الأمور بشكل ملموس في القاهرة، والمحافظات الكبرى، بينما انهارت أكثر في سيناء، وعجز النظام رغم استخدامه الفظ الهمجى للقوة، وانتهاكه المستمر والصارخ لحقوق الإنسان، والذي وصل إلى حد هدم وتدمير مدينة رفح بكاملها، ومع ذلك لم يستطع تحقيق الانتصار أو حتى تهدئة الأوضاع، بينما يقوى تنظيم بيت المقدس – ولاية سيناء الداعشية – يوماً بعد يوم لدرجة امتلاكه القدرة والجرأة على تنفيذ هجمات مخططة منسّقة ومتزامنة، وفي بقعة جغرافية محدّدة بعد شهور، وربما سنة من إعلان الحرب إليه والزعم بهزيمته وتفكيكه.
بين هذا وذاك اتسعت دائرة القمع والتنكيل والبطش للمعارضين في الداخل، ولم تعد حرب الإبادة أو الإقصاء مقتصرة على الإخوان، وإنما اتسعت لتطال كل من لا يهتف بالروح بالدم وبحياة القائد، خاصة من ثوار 25 يناير، وبدا النظام وكأنه يوغل في الاستبداد كلما عجز عن تحقيق إنجازات جدية وملموسة في السياقين الاقتصادي الاجتماعي، وكلما هرب إلى الأمام باتجاه البطش في الداخل والخارج تآكلت صورته وتعمق مأزقه أكثر دون أن يدري أو يقصد.
إضافة إلى ما سبق بدا الجنرال وكأنه ينتقم بتصميم وبرود من ثوار 25 يناير على اختلاف اتجاهاتهم السياسية وخلفياتهم الفكرية والثقافية، وهؤلاء باتوا إما في السجون بعد محاكمات هزلية وشكلية، أو مطاردين في المنافي وبموازاة شيطنة الثورة وأبنائها أفرج النظام وقضائه المسخّر والمسيّر عن رجال ورموز نظام مبارك الذين لم يبق أحد منهم في السجون، رغم ما اقترفوه بحق البلد – دمّروا البلد حسب اعتراف السيسى نفسه – وبدت المعادلة واضحة عِداء وتنكيل بالثوار مقابل التحالف مع فلول نظام مبارك من إعلاميين ورجال أعمال، وبتنا في الحقيقة أمام استنساخ لنظامي ناصر ومبارك، حيث الاستبداد والقمع والغطرسة من النظام الأول والنصابين والمرتزقة النظام، ودمج بين النظامين في أسوأ أو أقبح صورهم.
في الخارج لم تكن عثرات النظام أقل أو أشد تأثيراً، فهو عجز عن بناء تحالفات جدية لا إقليمياً ولا دولياً؛ وباستثناء الإمارات لا يمكن الحديث عن حليف أو داعم جدي، اللهم إلا من تحالف طهران والمهاجرين والضاحية، ورغم أن التحالف مع هذا المحور غير علني أو رسمي، إلا أنه محسوم وواضح إعلامياً وسياسياً.
خارجياً، بدا المأزق على أشده وبأوضح صوره في مواقفه الأخيرة تجاه ليبيا، حيث أراد النظام الذي يعيش على المعونات ويقود دولة مدمّرة – كما أقر الجنرال السيسي نفسه – التدخل عسكرياً وخوض حرب ضد المجموعات المسلحة في ليبيا، وهو ما لاقى رفضاً قاطعاً من قوى إقليمية مؤثرة ومركزية في الملف الليبي مثل تونس والجزائر، كما عجز عن استصدار قرار من مجلس الأمن يغطى أو يشرعن غاراته ضد ما قيل إنها أهداف لداعش في مينة درنة. وبدا أن التدخل العسكري أو حتى الحسم في الملف الليبي أكبر من قدراته وإمكانيات ونفوذ النظام، علماً أن وضع راعيته الرسمية السابقة السعودية الفيتو على طموحاته الإقليمية أظهره على حقيقته ضعيف معزول وعاجز.
مأزق النظام وسياساته الحربجية تبدت ككل. فىسياسته العدائية تجاه حماس بشكل خاص وغزة بشكل عام. فبعد الإغلاق المتواصل والدائم لمعبر رفح، واتباع سياسة العقاب الجماعي بحق مليوني فلسطيني، وبعد سلسلة من الإقرارات السياسية المخرجة قضائياً، أطلق النظام العنان لأبواقه الإعلامية من أجل الدعوة لضرب غزة، كما جرى مع درنة، وهي غزة نفسها المحاصرة والتي تكاد تصل الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية فيها إلى حافة الانهيار، وهي غزة نفسها التي صمدت أمام إسرائيل ثلاث مرات في آخر ستّ سنوات، وبالتأكيد فإن أي مغامرة مجنونة تجاهها لن تحقق ما عجز عنه جيش الاحتلال، وفي كل الأحوال لن تحل أزمة أو أزمات النزاع، فىسيناء ومصر بشكل عام.
جاءت التسجيلات المسربة من مكتب الجنرال ومعاونيه لتؤكد المعطيات السابقة عن نظام لا يقيم وزنا للدستور القانون حكم المؤسسات كما لمفاهيم ومبادىء مثل الحكم الرشيد الديموقراطية وحقوق الانسان وهى اعطت فكرة واضحة عن كيفية ادارة الامور بخفة استبداد واستئثار فى الداخل والخارج على حد سواء.
أمام الفشل المركب داخلياً وخارجياً لم يجد النظام أمامه سوى تمتين التنسيق أو التحالف مع إسرائيل حيث تزخر وسائل الإعلام الإسرائيلية بتقارير وتصريحات رسمية وشبه رسمية تتغزل بالجنرال والعلاقات بين البلدين، ولم يقتصر الأمر على التطوع لتحسين صورته وسجله السيء أمام الرأي العام الغربي والأمريكي، تحديداً وإنما وصل الأمر بأكاديمي رصين ومن جامعة يسارية – بن غوريون في السبع – كانت دومًا معارضة للتوجهات اليمينية للحكومات اليمينية المتعاقبة في العقود الأخيرة إلى توقع إمكانية قيام إسرائيل ومصر معاً بتنفيذ عمليات عسكرية مشتركة في سيناء، وربما في غزة نفسها في مشهد سوريالي لم يكن أحد يتوقعه، ولم يخطر على بال أشد المتشائمين بعد ثورة 25 يناير وموجتها الثورية الأولى في 30 حزيران/يونيو 2013.
في الأخير يمكن القول أن النظام حسم مصيره بنفسها، أما نكبة أخرى على غرار نظام ناصر أو ثورة أخرى على غرار نظام مبارك، ولكن ثمة نافذة أمل أو فرصة أخيرة أمامه عبر استغلال السلم الذي وفرته القيادة السعودية الجديدة للنزول عن شجرة العنجهية والغطرسة والقطع مع إعلان الحرب على الإخوان وإخراجهم من المشهد السياسي بالقوة والدم لصالح تسوية تاريخية عادلة وواقعية بروح ثورة يناير تنعكس على الأقليم برمته، بما في ذلك غزة طبعاً يكرّس السيسي نفسه من خلالها نفسه كجزء من الحلول لأزمات المنطقة وليس سبب من أسبابها.

السابق
بانتظار الخطّة الأمنية: الضاحية الأكثر «إجراماً».. والجنوب الأكثر أمناً
التالي
ستريدا جعجع: سيأتي يوم نجلس وحزب الله على طاولة واحدة