عودة الإبن الشاطر

من تحصيل الحاصل أن يستقبل اللبنانيون بارتياح وترحيب عودة الحكومة – “الرئيسة” إلى سابق عهدها ونشاطها، وإعادة لملمة شمل وزرائها من أول وجديد، وعلى أساس أن الماضي مضى والواجب ينادي كل فتى باسمه، وكل وزير بدوره، لتطليق المكايدات والمناكفات، والنكايات، والحسابات الضيقة التي عطّلت انتاج الحكومة وعتّمت صدر أيوبها تمام سلام.
من زمان، من اشهر وأسابيع، وقبل أن يمتلئ فنجان الرئيس سلام بالغضب والعتب وربما القرف، كان كثيرون يقولون في أحاديثهم، أعان الله رئيس الحكومة على هذه الرزم والكتل من الأعباء والمشكلات والتعقيدات والخربطات التي تنوء من ثقلها الجبال لا الجمال.
لكنه بقي هو نفسه. على إيمانه بتقدّم مصلحة لبنان في هذه الظروف والمواجهات والبراكين التي تفرقع المنطقة العربيّة على كل ما عداها، حتى لو كانت معظم الأحيان على حساب أعصابه وقناعاته وأسلوبه المستقيم الذي لا يختلف عن ميزان العدالة، إلا حين يضطر إلى أن يغض الطرف حرصاً على عدم حركشة المدابر…
صحيح أن بعضهم قال في نفسه ولمن حوله طوبى للجبال الراسيات، إزاء تصرّفات بعض الوزراء الذين فتحوا حكومات ودولاً وأنظمة على حسابهم، وحوّلوا مقاعد الطائرات والجولات المتواصلة على دول هيهات أن يكون العديد من اللبنانيّين قد سمعوا بها. ومن زيارة إلى أختها. ومن هذه العاصمة إلى تلك. ومن طائرة خاصة إلى طائرة شبه خاصة. وطوال أيام وأسابيع.
لكن المشكلة ليست كلّها هنا، أو على هذا النمط الاستلشاقي الذي يضطر سلام أن “يبلعه” حفاظاً على الاستقرار النسبي الذي يوفّر الاستمرار شبه الهادئ لعمل حكومة يُطلب منها أن تقوم بمهماتها ومهمات ومسؤوليات رئيس الجمهورية الذي لا يزال منصبه وكرسيه وقصره فارغة.
ندرك، ويدرك المعنيّون بالإطار الدستوري الذي لا يختلف حاله عن حال الواقف على شوار، أن المرحلة الحاليّة التي دخلها لبنان اليوم تتطلّب مؤازرة جماعيّة، ووعياً واسع النطاق يحصّن البلد الواقف على صوص ونقطة ضد انتقال “الوباء الداعشي” إلى ربوعه.
ليس المطلوب هنا تقويم أعمال الوزراء، وما أنجزته الحكومة السلاميّة، إلا أن من واجب الإنصاف علينا الاعتراف بالنجاحات الأمنيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة التي حققتها وسط هذا البحر من الأنواء العاتية والأعاصير الهوجاء. والاعتراف بأن عودتها هي عودة الابن الشاطر لا الابن الضال.
كذلك الأمر بالنسبة إلى عدد من الوزراء ملأوا صفحات على حَيْلها من الانجازات التي كانت تقيم في خانة رابع المستحيلات.
على رغم كل الهزّات والتجاوزات والتصرّفات التي تعرّضت لها هذه الحكومة، يبقى اسم رئيسها مكتوباً بالذهب.

http://newspaper.annahar.com/article/219081-%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%A8%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%B7%D8%B1?id=219081

(النهار)

السابق
عون وجعجع وحصر الإرث
التالي
الحرب الخاسرة ضد «داعش»