الحرب الخاسرة ضد «داعش»

الحرب ضد “داعش” ليس مكتوباً لها النجاح، على المدى المتوسط، على الأقل. ليس فقط لأن الائتلاف الذي يقودها مكبل بالتناقضات الصارخة بين كتله، وما يتخللها من “قفزات” في الهواء لبعض أطرافه الإقليميين، تندلع مثل الشهب، لتعود فتنطفىء حتى يصيبها النسيان؛ مثل رجفة الوعي المفاجىء التي انتابت السلطتان الأردنية والمصرية، وانتهت بانكماشة ثبتت عليها إلى حين… لن تنجح هذه الحرب، ليس فقط لأن طبيعة الأعمال العسكرية التي تقتصر عليها، أي الضربات الجوية، لا تفضي إلى نتائج مرجوة، ما يدفع العسكر الاميركيين نحو مشاريع حرب برية، بأعداد محصورة؛ وهي مشاريع لن تلبث ان تتعقد، ثم تتفرع، فيوكل الاشتباك المباشر على الأرض مع “داعش” إلى الإيرانيين، الطامحين الى دور شرطي الإقليم. لن تثمر، هذه الحرب، من الزاوية العربية، لأنها تترافق مع مفاوضات أميركية إيرانية، لا نعرف تماما ترتيباتها الخلفية ولا بيعاتها ومشترياتها، وإن بدأت طلائعها الاسرائيلية تطل علينا عبر خطاب نتنياهو؛ وهي لن تنجح الا بعد تقاسم “عادل” بين ايران اسرائيل وتركيا، يصيغون به مستقبل المنطقة، و”داعش” في قلبها. فتبقى بذلك الحرب على “داعش” رهينة الصراع السني-الشيعي، متداخلة معها؛ فيغذي التطرّفان بعضهما. كل دواعي الفشل واردة، وهي تختص بالمستوى العسكري اللوجستي من الحرب. ولكن هذا المستوى ليس شيئا أمام الوجه الآخر، الحضاري؛ هو الذي يقرّر النجاح ضد “داعش” أو الإخفاق أمامه. وهذا الوجه، الحضاري، تجده في نبؤة أسامة بن لادن، وقد أطلقها بعد شهر على تنفيذ عملية الحادي عشر من أيلول الإرهابية في نيويورك، إذ قال:” أقول لكم، إن الحرية وحقوق الإنسان في أميركا قد قُضي عليهما. إن حكومة الولايات المتحدة سوف تجرّ الشعب الأميركي والغرب عموما إلى جحيم لا يُحتمل، وإلى حياة خانقة”. ولا نعلم ان كان بن لادن، ، يعي تماما مدى تلك الكلمات، أو قابليتها المستقبلية، أو يتصور صيرورتها تماما؛ أم أنه كان يعتمد على مجرد حدسه بطبائع الصراعات بين البشر، والذي يقوم واحد منه على محاربة الشرّ بالشرّ… فالمؤكد ان الإرهاب المعاصر، في لحظتَيه التدشينيتَين، أي في الفعل الإرهابي، وفي ردّة الفعل عليه، الأميركية خصوصاً، قد افتتح عهد التراجع الديموقراطي الغربي. وهو تراجع يمكن ايجاز مراحله بما يلي: يكتشف الغرب الإرهاب وأهواله، تصدمه قوته أمام ضعف قوانينه الديموقراطية، فيقرر اختراق هذه القوانين على نطاق واسع من أجل الإنتصار عليه عسكرياً وأمنيا في الخارج وفي الداخل. فتكون القوانين التي تضع المواطنين، تدريجياً، تحت رحمة أجهزة المخابرات والتنصّت والمراقبة، لا بل الذريعة لتصفية الحسابات في المجالات الأخرى الخ. السمّ البطيء هذا ارتشفت أميركا أولى جرعاته مباشرة بعد الحادي عشر من أيلول بالاجراءات المضادة للديموقراطية، وأشهرها سجن غوانتنامو وقانون “الباتريوت آكت”. الآن جاء، أو بالأحرى تصاعد، دور أوروبا، ، بعد جريمة “شارلي إيبدو” وكوبنهاغن، حيث الإجراءات اتخذت، والجيش انتشر على الطرقات بين المدارس والمساجد والكنس والكنائس، وقوانين الطوارىء ونزع الجنسية ومراقبة الحدود على أنواعها، والإجراءات الأخرى القادمة، إذ ان “تحرير” القوانين يتطلب “تحرير” قوانين أخرى إضافية، لتلبّي اندفاعات غيلان الحرب على الإرهاب… وهكذا، من دون إرتسام الحدود الممكنة لهذه التراجعات الديموقراطية. في البداية لم تتمكن الديموقراطية الغربية ان تدافع عن نفسها ونظامها، ورطها هذا النوع من الحرب على الإرهاب في جموح الهيمنة والسيطرة والثأر، فلاقت تجاوبا هائلا اقتضى ان ترفع من درجة هذا الجموح، فدخلت في جوف الوحش، الذي يستنزف قدراتها الحضارية، قبل العسكرية. بمعنى من المعاني، كان يمكن للغرب ان لا يحقق نبؤة بن لادن، لو لم يكن تحت حكم “براغماتياته” الديبلوماسية وليبرالية المختلة وأزمته الإقتصادية الطاحنة، وتقلص قدرات “دولته الراعية” ومؤسساتها، وضعفها أمام المؤسسات المالية العابرة للجنسيات. هذه الديناميكية الجهنمية انطلقت قبل ظهور “داعش”؛ لا بل قد يكون هذا الظهور من نتائجها المتحركة غير المرئية. وقد يكون، هذا الظهور أيضاً، من الرياح التاريخية العاتية التي حولت الثورات العربية من أجل الحرية والديموقراطية إلى بؤر إرهاب وحرب على الإرهاب. يا لها من ديناميكية عربية!

http://www.almodon.com/opinion/4323695b-25ef-41e4-abb0-7fe99593b083

(المدن)

السابق
عودة الإبن الشاطر
التالي
بالفيديو: شاب لبناني يشعل المواقع بردّه الساخر على أحلام!