خطاب نتنياهو دهاء أم غباء؟

وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أمام منصة الكونغرس الأميركي ليتحدث أمام جلسة مشتركة تضم أعضاء مجلسي النواب والشيوخ. وقد استغل المناسبة لتوبيخ إيران وإطلاق تحذيرات نارية من المفاوضات الحالية التي تقودها الولايات المتحدة، تهدف إلى كبح «إيران النووية».

وبعدما أعلن خلال مناسبتين سابقتين أمام الكونغرس، عزمه إحباط «أوسلو» في العام 1996، وإجهاض خطة أوباما الرامية إلى استئناف المحادثات الفلسطينية – الإسرائيلية العام 2011، يأمل نتنياهو هذه المرة باستغلال خطابه لشد أزر أعضاء الكونغرس المعارضين للمفاوضات الراهنة مع إيران. ولا ريب في أن نتنياهو، المغرور دائماً بنفسه، يعتقد أنه سينجح مرة أخرى في تحقيق مسعاه.
لا يفصل الخطاب سوى أسبوعين عن الانتخابات الإسرائيلية. لذلك، فهو يعتبر بمثابة فرصة لنتنياهو كي يُظهر للناخبين الإسرائيليين قدرة لا تضاهى على التأثير في السياسة الأميركية. كما أنه يأمل من الخطاب أن يحول الانتباه عن فضائحه المالية الأخيرة، وعن إخفاقه في إرساء السلام.
على أن نتنياهو لا يتوقع العاصفة القوية التي سيتمخض عنها ظهوره على ما يبدو. فلو أنه، كما زعم مراراً وتكراراً، «عميق الدراية بالسياسة الأميركية»، لكان عليه أن يتوقع أن محاولته المتعمدة لإحراج الرئيس الأميركي لن تمر مرور الكرام في البيت الأبيض. لكن نتنياهو أظهر غطرسة وقصر نظرٍ من خلال تآمر سفيره لدى واشنطن، الذي كان ناشطاً في الحزب الجمهوري، مع رئيس مجلس النواب الأميركي، لترتيب الخطاب أمام الكونغرس. وما هذه إلا واحدة من هفوات غروره الكثيرة.

وقد توالت ردود الفعل السلبية داخل الولايات المتحدة منذ الإعلان عن الخطاب. ففي بادئ الأمر، تم انتقاده لـ «خرق البروتوكول»، ثم تطورت الردود إلى حرب تصريحات وإجراءات شديدة العدائية. فاعتبر البيت الأبيض أن سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي يمزّق نسيج العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، ورأى وزير الخارجية الأميركي جون كيري انتقادات نتنياهو للمفاوضات مع إيران بأنها «تنمّ عن جهل». كما قاطع العشرات من أعضاء الكونغرس الخطاب.
وبالمثل، برزت ردود فعل قوية داخل إسرائيل، لم تقتصر على اتهام خصوم نتنياهو له بالعزف على أوتارٍ حساسة تتصل بسياسة أميركا الداخلية، بل إن رئيس «الموساد» السابق وصف خطابه بـ «غير المفيد وغير البناء».
وسيكون لتصرف نتنياهو تداعيات أخرى في الولايات المتحدة. ذلك أن الإسرائيليين يعزّون أنفسهم بأن استطلاعات الرأي تشير إلى أن غالبية الأميركيين يؤيدون دولتهم. لكنهم يتجاهلون أن الأميركيين يتزايد إحباطهم من السياسات الإسرائيلية وانقسامهم العميق بشأنها. إذ إن الغالبية تعارض سياسات الاستيطان وسائر الإجراءات الإسرائيلية التي تتعارض مع السياسة الأميركية.

عندما ينهي نتنياهو مغامرته الكبرى في واشنطن، قد ينبري كثير من المسؤولين الأميركيين للقول إن عُرى الروابط الأميركية – الإسرائيلية «لا تنكسر»، بيد أن نتنياهو سيترك خلفه انقساماً عميقاً في الولايات المتحدة حيال حكومته وسياسات دولته. وسترتد خطوته الثقيلة عليه في هذا المجال.

(السفير)

السابق
اطلاق سراح دبلوماسي ايراني خطف في اليمن عام 2013
التالي
وفاة الممثل السوري عمر حجو؟ ونشطاء يتداولون الصورة الأخيرة له