ذاكرة الأسواق.. بيروت قبل الحرب وبعدها

سوق الدنا التجاري

للأسواق أيضاً ذاكرة. فبيروت اليوم ليست كبيروت ما قبل العام 1975، وأسواقها التجارية وإن تطوّرت وتبدّلت معالمها، لكنها ما زالت تحمل في «زواريبها» أسماء أسواق بـيروت القديمة، وروحها في مكانٍ أو آخر.

وما زالت تلك الأسواق تحمل أسماءها القديمة، إلاّ أنها تختلف في الشكل وفي البناء وحتى في المضمون. إن كانت أشكال البناء تختلف بين الأسواق القديمة والجديدة، كذلك دخلت الى الأسواق الجديدة مفاهيم وأفكار وسلع، لم تعرفها بيروت قبل الحرب.
الأسواق القديمة لم تكن موحّدة بالشكل، فيما نجد اليوم توحيداً في بناء بعض الأسواق الحديثة مثل سوليدير. أماكن كثيرة تساقطت من بيروت، وأخرى تحوّلت، فـ «بركة العنتبلي» القديمة، أصبحت بركة محفورة بالرخام بتصميم يحمل شكلاً عصرياً.
ومن بين المفاهيم الجديدة التي أدخلتها الأسواق الحديثة، المراكز التجارية الضخمة أي «المول»، الذي دخل حياة اللبنانيين، كما دخل حياة الدول العربية الأخرى، وصار جزءاً من ثقافة المجتمعات. «المول» قلّص، وفق تجار التقتهم «السفير»، دور الأسواق بشكل عام، اذ وفر على المستهلك عملية التنقل بين الأسواق للتبضّع، وبات بإمكانه إيجاد كل ما يحتاجه في مكانٍ واحد، يقدّم له خيارات عديدة، كما يحميه من المطر والشمس، ما أثّر بطبيعة الحال على المحال الموجودة في الاسواق العادية، مع انتشار أكثر من 15 مولاً في مختلف المناطق.
أسواق لكل الطوائف…
يقول أبو مهدي (علي الحسيني) الرجل السبعيني: «عملت في شارع اللنبي أكثر من عشرين سنة، وكنت أملك متجراً للسجاد وآخر للأقمشة، كانت الأسواق جميلة وشعبية وتفتح يديها للناس من جميع الطوائف والطبقات الاجتماعية». ثمّ يضيف: «اليوم بنيت المصارف الحديثة والمتاجر الكبيرة، إنما تراجعت قدرة الناس الشرائية، وأكلتهم الهموم، وكثيرون تركوا البلد وهاجروا». ويشير الى أن «أحداً في السوق لم يكن يعرف اسمه الحقيقي، بل كان معروفاً بأبو مهدي، كما كان كثيرون من التجار يُعرَفون بأسماء أبنائهم، وكان بعضهم تطلق عليهم ألقاب أبو كذا، ولم يكونوا متزوّجين، إنما من باب الاحترام والتحبّب، كانت الحياة حلوة».
ويوافقه أبو جورج (شربل الحاج) ويُخبر «السفير» بـ «كنت أملك متاجر في أكثر من سوق في بيروت، يوم لم يكن للأسواق طائفة، إنما بعد فرز الناس، فرزت الأسواق أيضاً، وركّزت عملي في الأشرفية والسوديكو في بداية الثمانينيات، حين أصبح التنقّل بين الشرقية والغربية عملاً انتحارياً».
وجه جديد لبيروت
يخبر رئيس «جمعية تجار بربور» رشيد كبة قصة الأسواق، ويقول لـ «السفير»: «هناك أسواق اختفت حقاً، إن بسبب الحرب، أو لأنّ أسواقاً جديدة نشأت مكانها، ومن الأسواق التي كانت وانتهت: البرج، باب ادريس، السوق الطويلة، العسيلي، سوق الجوخ، شارع فوش الذي كان يعتمد على تجارة مال القبان، سوق الخضار المركزي القديم، سوق الذهب القديم وشارع اللنبي الذي ما زال قائماً إنما تغيّرت معالمه».
ومن بين الأسواق الناشئة، يذكر كبة: «بربور، مار الياس، السوديكو، فردان، الأشرفية، كورنيش المزرعة، إضافةً الى شارعي مونو والجميزة حيث تكثر المطاعم والملاهي»، مشيراً إلى أن «هذه الأسواق نشأت بعد العام 1976». ويوضح أن «سوق الحمراء هو الوحيد الذي حافظ على نفسه الى حدٍّ ما، برغم التغييرات ودخول محال وماركات عالمية إليه، إلاّ أنّ روحه ما زالت كما كانت في الستينيات في أيام عزّه».
ويوضح أنّ «الحرب فرزت الناس وفرزت التجار، فالمسيحيون ترك أكثرهم الأسواق وانتقلوا الى المناطق الشرقية أي انطلياس والأشرفية والزلقا، كما أن الإيجارات أصبحت مرتفعة جداً في بيروت، ولم تعد مسألة فتح المصالح والمحال أمراً سهلاً كما في السابق، لذلك فقدت بيروت أسواقها الشعبية، واستبدلتها بالمراكز التجارية الضخمة والماركات العالمية المرموقة».
اليوم وبإجماع التجار وجمعيات التجار، تعيش الأسواق التجارية أياماً صعبة، فالأعياد تمرّ بلا حركة، والمواسم السياحية بلا سيّاح. وربّما يقول البعض: «سقا الله أيام العز»…

(السفير)
 

السابق
ميقاتي: نرفض مشروع المرآب في طرابلس
التالي
عشيقان يلتصقان والشرطة تستخدم المسيل للدموع لتفريق المتفرجين