38 مغرداً يصنعون الرأي العام اللبناني.. يومياً

“إقتراحات شباب”. هي كلمة السرّ لبدء اجتماع 38 شاباً لبنانياً، إفتراضياً، عبر تطبيق “واتس آب” يومياً. يدلي كل منهم بمقترح لوسم (هاشتاغ) يوجّه الرأي العام اللبناني في “تويتر” يومياً. يبدأ دفق الإقتراحات من الساعة الثامنة حتى الساعة الثامنة وخمس دقائق، لتليها مرحلة “الغربلة”. تتقلص الوسوم المقترحة الى سبعة، عبر نظام التصويت، ومنها الى اثنين. وفي الساعة 8 و20 دقيقة، يصوت المشاركون على مقترحين فقط، وتصدر النتيجة. “يُوزّع”.

تلك الآلية، تتكرر يومياً بين رواد صفحة “السلطة الخامسة” FET_LEBANON في موقع التواصل الإجتماعي “تويتر”، الذين يصنعون رأياً عاماً لبنانياً كل ليلة، ويصل عدد المشاركين في كل وسم الى نحو مليون، ويصل الـTrend الى أكثر من 4 ملايين. خلال فترة قياسية، يُوجه الرأي العام اللبناني الى حدث، ويغرد مئات الآلاف برأي تتفاوت تقديراته بين انتقاد، وتضامن، وتهكّم على وضع سياسي واجتماعي مزرٍ… بلغة الناس.

والشبان والشابات اللبنانيون، يمتلكون قدرة تأثير على الرأي العام. يصنعونه لساعتين من الزمن، ويوجهونه بما تفرض الأحداث السياسية أو العسكرية المحلية. كل منهم يحاكي الحدث من منظار مختلف، وتتعدد تلك المحاكاة، مع شيوع الهاشتاغ، وانتشاره بين رواد “تويتر” بعد خمس دقائق فقط من إطلاقه.

كل من المشاركين، يعبّر عن وجهة نظره، حتى بات الهاشتاغ، بمثابة تعزيز غير مسبوق لحرية التعبير الإفتراضية، غير الموسمية، يوصل الصوت الى الملايين. ومن هنا، جاءت تسمية “السلطة الخامسة”، التي توصل صوتاً خافتاً، كان يقتصر سماعه في السابق على بضع عشرات أو مئات على أبعد تقدير. أما مقياس النجاح في المشاركات، فيعود الى اللغة المستخدمة، التي يتحدثها كل لبناني في يومياته، وتخلق مساحة مشتركة، على قاعدة الحديث “من القلق الى القلب”.

تنطلق القدرة على التأثير من أمرين بالغي الأهمية. الأولى أن مجموعة “السلطة الخامسة”، ينتمي اليها أشخاص متابعون للأحداث بشكل كبير، وقادرون على التقاط النكتة، أو الحدث، أو التصريح، أو الصورة، وتوظيفها بلغة الناس، بما يتيح استقطاب المغردين. تتحول الشاشة الإفتراضية، الى مساحة مفتوحة للمعرفة، والنقاش، والتهكم. والجامع بينهم، حسّ وطني غير فئوي، يتيح للآخر التعبير بحرية، كان آخرها هاشتاغ “بروح مش رياضية”، إنتقاداً للإشكال الذي وقع على ملعب النادي الرياضي بين لاعبين في كرة السلة الأحد الماضي.

وتمنحهم ميزة احترام الرأي الآخر، قدرة على التأثير، على خلفية تنوعهم وتعددهم. فالمجموعة، تضم خليطاً طائفياً وتعددية في الرأي أو الإنتماء السياسي، فضلاً عن أنهم من المقيمين أو المهاجرين في الخليج وأوروبا وافريقيا…

وتؤكد فيكي، أحد أعضاء المجموعة، لـ”المدن”، أن “كل شخص في هذه المجموعة، ينتمي الى منطقة وطائفة وتوجه سياسي مختلف عن الآخر، فضلاً عن تمايزه بطريقة تفكير مستقلة”، لافتة الى “اننا جميعاً نحاول الحديث عما يعني الناس، وينقل هواجسهم، كما اننا نحاول تعزيز قدرة تأثير العالم الإفتراضي على الرأي العام بطريقة ايجابية، بهدف تحسين الشوائب في هذا البلد، والتخفيف من الأزمات”.

والهاشتاغ الذي يتم اختياره وفق عملية تصويت ديموقراطية، لا يقتصر تداوله على اللبنانيين في لبنان وخارجه. يقول أعضاء في مجموعة “السلطة الخامسة” إن مشاركات في التغريد تصل من السعودية والبحرين والعراق وليبيا وسوريا والأردن ومصر وفلسطين، وصولاً الى تغريدات من الصومال. يشير محمد حركة، أحد أعضاء المجموعة لـ”المدن”، الى أنه “حين نتحدث عن تفاصيل تعني كل اللبنانيين، مثل الجيش اللبناني وأزمة الكهرباء، ترتفع نسبة المشاركة”.. وغالباً ما يختار أعضاء المجموعة وسماً يحاكي جميع اللبنانيين، ويعبّر عنهم، ويترك لهم مساحة للتغريد وفق المنظار الذي يراه.. حتى أن البحث في الهاشتاغ في “تويتر”، يؤكد تعددية آراء المغردين.

ليل 15 اغسطس/ آب 2013، انطلقت مجموعة مؤلفة من 13 لبنانياً، في هاشتاغ ينتقد عدم إستنكار المغنية اليسا لتفجير الرويس في الضاحية الجنوبية. حملت التسمية الأولى إسم “الشياطين الـ13″، بحسب ما يقول صاحب حساب “السلطة الخامسة” لـ”المدن”. وتضاعفت المجموعة مع دخول آخرين، يمثلون كافة الطوائف والمذاهب والتيارات السياسية اللبنانية، حتى باتت المجموعة “كبيرة جداً وقادرة على التأثير ايجابياً، وتستقطب الكثيرين”.

أثناء فلترة الاقتراحات، يوم الجمعة الماضي، صوت أعضاء المجموعة على هاشتاغ “الوطن يستغيث”. تم اختياره من ضمن اقتراحات عديدة، مثل “للجيش اللبناني نقول”، و”على شفير الهاوية”، و”تعبنا من الوضع” و”لوين رايحين” و”صار الهم لون الفستان”… وغيرها من الاقتراحات. أعطيت الموافقة على الوسم، ليبدأ التغريد…

الهاشتاغات مستمرة، مع استمرار المجموعة… وباتت الساعة الثامنة موعداً ثابتاً “لا يمكن لأعضاء الغروب خرقه”.. وتمنحهم التداعيات اللبنانية مادة دسمة، تمكنهم من الإستمرار الى أجل غير مسمى.
(المدن)

السابق
12 نوعاً جديداً من الأسماك في بحر صور
التالي
نجوى كرم لمتابعيها: «شو شفتوا لون الفستان»؟