«فرصة نووية» بين أميركا وإيران.. و«وصفة فدرالية» للبنان!

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الثالث والثمانين بعد المئتين على التوالي.

جولة سابعة من الحوار بين «المستقبل» و «حزب الله» برعاية الرئيس نبيه بري، حفلت، كما هو متوقع، بفذلكات لغوية ـ سياسية، إن دلت على شيء إنما على رغبة الطرفين بالمضي في الحوار «حتى إشعار آخر».
هذا الحوار ميزته أنه يعكس بمضمونه وتوقيته توازنات لبنان والإقليم.. وعلى الأرجح، فإن ما يجري في المنطقة من تطورات متسارعة، يساعد هذا الطرف أو ذاك، في تقديم تنازل من هنا أو من هناك، من دون الإخلال ببعض القواعد المتصلة بلعبة «الكبار» في المنطقة.
وضع المتحاورون في عين التينة مشهد المنطقة على طاولتهم: قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الإيراني» الجنرال قاسم سليماني يقود المعارك ضد «داعش» في مدينة تكريت. رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو يقارع في الكونغرس الأميركي باراك أوباما لمنعه من التفاهم مع إيران. بين «تل ابيض» الشمالي و «تل الحارة» الجنوبي و «التلة الحمراء» الشرقية، تحتدم المعارك على أرض سوريا. فجأة يفرج تنظيم «القاعدة» في اليمن عن القنصل السعودي عبدالله الخالدي.
في خضم هذه المشاهد، ينتقل الحوار الأميركي ـ الإيراني من مدينة جنيف إلى مدينة مونترو السويسرية. ليس مفاجئاً أن يحضر المفاوضات وزيرا خارجية الولايات المتحدة جون كيري وإيران محمد جواد ظريف. الجديد هو حضور وزير الطاقة الأميركي أرنست مونيز وتلميذه الإيراني(في سبعينيات القرن الماضي) رئيس وكالة الطاقة الإيرانية (ونائب الرئيس الإيراني) علي أكبر صالحي. أيضا يشارك في المفاوضات المستشار الخاص للرئيس الإيراني حسين فريدون (روحاني) وهو شقيق الرئيس الإيراني حسن روحاني.
هذه المشاركة إلى جانب مساعدي وزيري الخارجية الإيراني عباس عراقجي ومجيد تخت روانجي والمساعدة الأميركية وندي شيرمان ومساعدة وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي هيلغا اشميت، تشكل عنصرا لافتا للانتباه في دينامية التفاوض على مسافة ثلاثة أسابيع من موعد الرابع والعشرين من آذار.
الاجتماعات التي تقرر تكثيفها، يدل وجود خبراء من ذوي القدرة على اتخاذ القرارات فيها، وخصوصا وزير الطاقة الأميركي والمفاوض الإيراني علي أكبر صالحي، على نية الطرفين اتخاذ قرارات بعيدة المدى، وفق إعلاميين إيرانيين يشاركون في تغطية المفاوضات. وثمة مواجهة علمية تدور بين «الأستاذ» و «تلميذه» حول حجم البرنامج النووي الإيراني.
وبحسب هؤلاء، فإن النقطة الحاسمة هي قضية رفع العقوبات التي جعلها المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية السيد علي خامنئي، عنصر اختبار للأميركيين، في مقابل تقديم «تنازلات مؤلمة» في ملف التخصيب. حتى الآن، لا تشي معطيات جنيف، ومن ثم مونترو، بوجود فرصة نهائية للاتفاق ولا عدمه. ثمة معادلة جديدة يتحدث عنها المتابعون عنوانها: لا فشل ولا نجاح. معادلة تقود إلى تجاوز تاريخ الرابع والعشرين من آذار إلى نهاية حزيران المقبل. هذا الوقت يريد استثماره كثيرون، وخصوصا المتضررين من الاتفاق، وفي المقابل، يريد الإيرانيون تحسين مواقعهم التفاوضية، ولذلك، قرروا أن يخوضوا هم الحرب البرية على الأرض في العراق، بعدما أدت طائرات «التحالف» قسطها للعلى في الجو.
أُسقط الامر من يد السعوديين. لا «الصحوات» ولا ما أسموها «الائتلافات النيابية العابرة للطوائف» ولا «القوة العربية المشتركة» يمكن أن تأتيهم بـ «الترياق». أما الإسرائيليون، فلا يراهنون على الوقت، بل على ضغط الكونغرس على أوباما عبر تكبيله وإلزامه بموافقتهم على أي اتفاق قبل إبرامه. رد البيت الأبيض جاهز: العقوبات الرئاسية قابلة للرفع. لا عقوبات جديدة، سواء أكانت رئاسية أو غيرها. العقدة هي في نوع العقوبات التي يملك الكونغرس قرار تحريرها. هذه النقطة تحجج بها كيري أمام نظيره الإيراني، فردّ الأخير عليه في إحدى جولات جنيف: «ماذا لو قلت لكم إن طرفاً في إيران لا يوافق على هذا الرقم أو ذاك في الملف النووي. نحن نتعامل معكم من دولة الى دولة»، لكن مع الوقت، أدرك الإيرانيون أن ما يقوله المفاوضون الأميركيون ليس ترفاً بل حقيقة. نعم إنها أميركا.
الإيرانيون يعملون تحت سقف «المرشد»: القرار الإستراتيجي بالتوصل الى تفاهم متخذ. لن يقبلوا باتفاق إلا على مرحلة واحدة سواء في آذار أو في حزيران. عنصر الوقت مهم بالنسبة إليهم لأن ضرر العقوبات يؤلمهم ولو أنه لن يكسرهم وهم الذين اعتادوا على محاولات لي ذراعهم منذ انتصار ثورتهم قبل 36 عاما. الرئيس روحاني يدرك أنه من دون اتفاق ـ فرصة ورفع عقوبات سيزداد مناخ التشدد ولن يتمكن من الفوز بولاية رئاسية جديدة، وسيكون للمتشددين أن يستعيدوا الظاهرة النجادية بمسمى جديد.
التقييم الغربي، وخصوصاً الأوروبي لمواقف خامنئي وروحاني، أنها ايجابية وتدل على رغبة إيرانية بالتوصل إلى اتفاق. دينامية التفاوض الحالية تصب في الاتجاه نفســه.
ماذا بعد؟
«الايرانيون أصحاب مصلحة في اتفاق محدد وليس أي اتفاق»، ولكن ماذا عن الأميركيين؟
هنا، لا يستطيع الأميركي أن يغمض عينيه عن حقيقة أن الايراني صار لاعباً في الكثير من الساحات الاقليمية من أفغانستان الى فلسطين، مروراً بالعراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وحتى السعودية نفسها. اذا كان المطلوب ارساء نظام اقليمي جديد، فإن ايران جزء لا يتجزأ منه، حسب النظرة الأوبامية، وهذه هي النقطة التي تستفز الخليجيين أكثر مما يستفزهم الملف النووي.
هم يقولون بلسان واحد: لن نقبل بإيران نووية. روسيا تشاركهم النظرة، بفارق أن الروسي «لا يمزح مع أحد» في الملف النووي عندما يعرّض أمنه القومي للخطر، لكن دول الخليج تنظر الى ايران نظرة الخائف. قالها مسؤول أوروبي زار بيروت مؤخراً: «مشكلتنا مع السعودية وجاراتها الخليجية أنها دول خائفة وقلقة… وهذا النوع من الدول قد يؤذي غيره».
تغيير في المقاربة السعودية
ثمة تغيير واضح في المقاربة السعودية للملف الإقليمي مع الملك سلمان بن عبد العزيز. يمضي الرجل في خيار اقامة حلف سني اقليمي يضمه وقطر وتركيا والامارات والكويت ومصر وكل دولة أو تنظيم (تحديداً «الإخوان») يمكن أن ينضوي تحت عنوان «احتواء الاسلام السني المعتدل».
الهدف السعودي المضمر هو تشكيل سد اقليمي سني بوجه الزحف الايراني. انخرط القطريون في التوجه الاقليمي السعودي. ظن الملك سلمان أن مصر التي تحتاجه اقتصاديا ستكون مطواعة، لكنه اكتشف أن الرئيس عبد الفتاح السيسي لا يريد أن يفاوض في موضوع احتواء «الإخوان» ومحاولة عقد تسويات معهم. زيارة رئيس مصر للرياض حملت بشكلها (تمضية ساعات في مطار العاصمة السعودية) مؤشراً لما يمكن أن يبلغه الموقف الوطني المصري الرافض للانخراط في أحلاف اقليمية في مواجهة النظام السوري و «حزب الله».. ولو أنه يسايرهم في اليمن ومطارح أخرى.
المفاجأة الثانية التي لم ينتظرها السعوديون آتية من الامارات. هذه الدولة الصغيرة يكاد يتجاوز موقفها الرافض للتسوية مع «الإخوان المسلمين» موقف الدولة المصرية نفسها. الموقف الأكثر غرابة هو ما كشفه مسؤول أمني اماراتي كبير أمام مسؤول أمني عربي زار أبو ظبي مؤخرا بأنه على تواصل شبه يومي مع القيادة السورية. قال أكثر من ذلك: «إننا نتفهم حقيقة انخراط الايرانيين و «حزب الله» في المعركة ضد «داعش» والارهاب».
وعندما سئل عن مقاربته لكيفية تحرر المصريين من المليارات الخليجية أجاب المسؤول الاماراتي: «اذا قام المصريون بتسوية الملف العقاري على كل الأراضي المصرية، يستطيعون أن يؤمنوا حوالي 4 مليارات دولار أميركي، فكيف اذا نظموا مرافقهم الجوية والبرية والبحرية وغيرها»؟
كلام اوروبي جديد
في بعض العواصم الاوروبية كلام هو الأول من نوعه. الايطاليون قالوا لباقي حلفائهم الأوروبيين بالحرف الواحد: «حزب الله وإيران والنظام السوري هم حلفاء موضوعيون لنا في الحرب ضد الارهاب».
استشعرت الولايات المتحدة ودول أوروبية عدة الخطر يهدد أمنها القومي فقررت ارسال طائراتها الى الأجواء السورية والعراقية، فكيف بإيران و «حزب الله»؟
المعادلة نفسها عبَّر عنها جواب أحد قادة «14 آذار» أمام مسؤولة دولية في بيروت. سألت الأخيرة ضيفها: اذا انسحب «حزب الله» من سوريا وسلم الحدود كلها للجيش اللبناني، هل يشكل ذلك عنصرا كافيا لتنفيس الاحتقان السياسي والمذهبي وبالتالي تحصين الاستقرار اللبناني، فجاءها الجواب من ضيفها: «ومن قال لك إننا نقبل بأن ينسحب «حزب الله» من الحدود ويترك الجيش اللبناني وحده هناك»؟
هذا هو المشهد الإقليمي، وللحوار بين «حزب الله» و»المستقبل» أن يمضي، وهو على موعد مع ملفين: الأمن الذي يفترض أن «يشهد اختبارا جديا ومفاجئا وصادما للوسط السياسي اللبناني قبل نهاية الشهر الحالي»، حسب أوساط «مستقبلية»، أما الملف الثاني، فهو رئاسة الجمهورية التي جرت مقاربتها في جلسة الأمس للمرة الأولى «بشكل تفصيلي ولو من زاوية أنها الطبقة الأولى في عمارة إستراتيجية مكافحة الارهاب».
خاض الطرفان في الملف الرئاسي «وقدم كل منهما مقاربته في ظل مناخ ايجابي وصريح وواضح وجدي. تمسك «المستقبل» بمعادلة انتخاب الرئيس يشكل مفتاح الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الارهاب. رد الحزب بالتمسك بالمعادلة نفسها!
هل يمكن للحوار أن ينتج رئيساً للجمهورية؟
لا وهمَ عند هذا الطرف أو ذاك بأن ظروف انتخاب الرئيس اللبناني قد نضجت. لا بد من انتظار ما يجري من حراك في كل الساحات. لا يجب أن يغمض أحد عينيه عن «الوصفة الفدرالية» التي تزحف الى معظم دول المنطقة، وهذه المرة بارادة «اهلها». هل هناك من قرأ جيدا في لبنان معنى طرح «القانون الأرثوذكسي» وسؤال أكثر من جهة أوروبية عن القانون الأفضل لـ «اللامركزية الادارية الموسعة في لبنان» حالياً؟

 

السابق
«سباق الغموض» على كل المسارات!
التالي
شبستري: داعش والقاعدة وولاية الفقيه كلها «إسلام»