استطلاع أوروبي لـ«مخاوف» السعوديين: إيران تحاصرنا

الخليج يغلي بالمخاوف. ايران حاضرة في كل شيء. مسؤولو السعودية يقولون إن المملكة النفطية لن تقف مكتوفة الايدي. التقديرات تشير إلى أن طهران باتت لها اليد العليا الآن في الميدان والسياسة على حد سواء. وفي المقابل، تحاول السعودية فرض سياستها في المشهد الاقليمي بأدوات عدّة، بدءًا بتوجيه تهديدات علنية ومبطّنة للايرانيين، وصولاً الى حشد ادواتها لتخريب اي حل سوري لا يلبي مصالحها.

هذه الخلاصات ينقلها لـ «السفير» سياسيون أوروبيون، زاروا السعودية، خلال الاسبوع الماضي، والتقوا قيادات في المملكة النفطية، من بينهم أعضاء في مجلس الشورى ووزارة الخارجية.
يقول سياسي أوروبي يعمل على ملفات الصراع في الشرق الاوسط إن «ايران تحتل تفكير القيادة السعودية، وهي لم تغب عن أي ملف تحدثوا فيه».
وثمة احساس عام، وصل الى جميع من استمعوا الى المسؤولين السعوديين أن ايران باتت لها «اليد العليا».
يقول المصدر إن السعودية «تشعر بقلق شديد من المكاسب التي يحققها الايرانيون، وقد باتوا يتقدمون في الطوق المحيط بالسعودية»، قبل ان يضيف: «انهم يطوقونهم. يتقدمون في العراق وسوريا واليمن ولبنان. كما لا يغيب عن بال السعودية النسبة المعتبرة من مواطنيها الشيعة. لقد باتوا يعيشون رُهاب ايران إذا يمكنني قول ذلك».
لهذا لم يعد الاكتفاء بالشكوى كافياً، ولا حتى مواصلة الحرب بالوكالة ضد النفوذ الإيراني في الإقليم، إذ تقول المصادر الأوروبية إنها سمعت تهديدات صريحة بنقل المعركة الى الداخل الإيراني. هذه التهديدات وردت على لسان مسؤول كبير في الخارجية السعودية، تحدث بإسهاب ومن دون حرج امام السياسيين الأوروبيين عن تصور الرياض للتحرك المضاد الممكن.
تنقل المصادر الاوروبية عن المسؤول السعودي قوله، بما معناه شبه الحرفي: «ايران تأتي وتدخل الى المنطقة وتسبب هذه المشاكل. حسناً، ولكن عليهم الا يتوهموا انهم آمنون، فالآخرون يمكنهم ان يدخلوا اليها ويسببوا لها المشاكل أيضاً».
لا يخفي سياسي أوروبي انه فوجئ بسماع هذا «التهديد» الصريح، ويقول إن الرسالة كانت واضحة تماماً في كلام المسؤول السعودي: «لقد كان حريصا على تذكيرنا بان ايران مجتمع لديه مكونات عرقية مختلفة… قال لنا إن ايران فيها ثمانية مكونات».
هنا يحضر السؤال: هل الامر مجرد تحذير استباقي، ام تعبير عن خطة جارية لزعزعة الاستقرار الداخلي في ايران؟
تقول المصادر الاوروبية: «كان واضحا ان السعودية تنظر جدياً في الامر. انهم يبحثون إمكانية ذلك». اما عن القدرة الواقعية، في ظل صعوبة التسلل الى الداخل الإيراني امام القبضة الحديدية للنظام، فيقول سياسي أوروبي كان حاضرا بدوره إن «الوصول الى داخل ايران ليس مستحيلا، انهم يمتلكون التمويل ويمكنهم فعل ذلك».
انتصارات الحوثيين جعلت النفوذ الإيراني يطوق عمليا السعودية، والإمارات تشاركها طبعا هذه الهواجس.
ويبدي الأوروبيون قلقاً كبيراً مما يحدث. ولعل ما قاله السعوديون عزز هذا القلق، وجعل أحد السياسيين العائدين من الرياض ينقل الى بروكسل الاهمية الملحة لنزع فتيل الصدام المحتمل، والبحث في إمكانية إطلاق وساطة أوروبية، قائلا: «يجب ان نلعب دوراً. يجب ان نوقف نداء الحرب بين ايران والسعودية، فهو يسبب مشاكل لا تنتهي».
وكانت الاستراتيجية الأوروبية التي نشرت مؤخراً حول سوريا والعراق ومواجهة تهديد «داعش» قد أشارت الى هذه المسألة، إذ اشارت الى ان تكثيف الجهود الديبلوماسية يجب ان يتجه أيضاً الى «تخفيف التوترات الإقليمية»، التي تؤجج صراعات قائمة يعتاش عليها الإرهاب.
ويبدو ان «هواجس» السعودية تجعلها تلتقي من يشاركها إياها: حين تكون الأولويات متطابقة «لا يجب استغراب النتائج»، يقول سياسي أوروبي، مضيفاً: «من الواضح ان السعودية تنظر الى اسرائيل كحليف المرحلة، فعدوهما الاول هو ايران… طبعاً هــم لا يستطيعون التعاون علناً، لكننا مدركون انهم يتعاونون بشكل غير مباشر».
سبق ان ظهرت مؤشــرات لافتة للانتباه في هذا السياق، إذ لم تتحرج الرياض من إرسال احد رجالها البارزين لمجالسة شخصية بارزة من تل أبيب. وخلال العام الماضي، كان هناك لقاء لافت بيــن مدير الاستــخبارات السعــودية السابق تركي الفيــصل ورئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق عامــوس يدلين. الحوار جرى في بروكسل تحت مظلة مؤسسة بحثية، وكان هنالك حرص على الترويج له في أوسع نطاق ممكن.
حين كان السياسيون الأوروبيون في الرياض، كانت بعض وسائل الإعلام السعودية تروج لفكرة تشكيل «قوة عربية مشتركة»، باعتبارها ضرورة لمواجهة الارهاب، بحسب صحيفة «الوطن»، التي اشارت أيضاً الى ان دورها يمكن ان يكون استباقيا، وبالتالي يمكن لهذه القوة ان تنخرط حيثما تقرر ان هناك تهديداً.
المسألة الاخيرة هي ما يشدد عليه سياسي أوروبي، اذ يقول إن تنفيذ أفكار كهذه ليس مستبعداً، مشيراً الى ان الهدف البعيد سيكون «مواجهة النفوذ الإيراني وليس فقط التصدي للإرهاب».
الشهر المقبل سيظهر الى اي حد ستمضي السعودية في فكــرة «القــوة العربية المشتركة»، خصوصا بعدما شدد عليــها لاحـقاً الرئيــس المصري عبد الفتاح السيسي.
اما بالنسبة الى سوريا، فتنقل المصادر الاوروبية ان السعودية لم تَحِدْ عن وجهتها، إذ لا يزال رحيل الرئيس السوري بشار الأسد على قائمة الأولويات، ولكن الرياض تعيش حالة إحباطٍ شديدةٍ، لم تُخْفِها أمام ضيوفها، من الرئيس الاميركي باراك أوباما.
وتقول المصادر الاوروبية إن «السعودية تشعر الآن بتحول في الموقف الاميركي. الآن يقولون إن ذهاب الأسد ليس أولوية لاوباما، وربما لا مشكلة لديه بعد ذلك في ان يبقى الأسد». وعلى هذا الاساس، باتت القيادة السعودية تنتظر رحيل أوباما لا الأسد، كما يقول احد السياسيين الأوروبيين بسخرية.
ما دامت أهداف السعودية لم تتحقق، تقول المصادر الاوروبية، فعلى السوريين أيضاً ان يواصلوا احصاء مآسيهم. إن لم يكن النصر لها، فعلى الأقل لن تسمح به حتما لخصومها: «ستستمر السعودية بجمع وتجنيد معارضة مسلحة، بحيث يمكنها تخريب اي إمكانية لحل سياسي يريد تجاوز شروطها».
لكن ذلك لا يمنع وجود خلافات بين السعوديين والاوروبيين.
الأوروبيون كانوا من بين المراهنين بشكل جدي على دور «الاخوان المسلمين» في صدارة المشهد العربي ما بعد الانتفاضات الشعبية، وجزء منهم لا يزال يدافع عن ذلك. ولكن بعدَ عزلِ الرئيسِ السيسي «الاخوانيَّ» محمد مرسي عن الحكم في مصر، ساد ارتباك كبير خصوصا مع التصلب الذي أبداه السيسي.
وفي هذا الإطار، قال ديبلوماسي أوروبي يعمل في القاهرة لـ «السفير»: «كنا مرتبكين لفترة طويلة، ماذا نفعل بالنسبة الى انتهاكات حقوق الانسان والحكم الاستبداي الواضح»، قبل ان يضيف: «هناك من بقي موقفه حائراً، وآخرون حسموا موقفهم بسرعة مدهشة خلف الحكم الجديد، وأولهم فرنسا».
لكن سياسيا أوروبيا زار الرياض يقول إن «النهج خاطئ»، وهو ما حاولوا إيصاله، عبثا، بشكل غير مباشر للرياض.
يقول السياسي الاوروبي موضحاً موقفه: «وضع داعش والإخوان المسلمين في التصنيف نفسه ليس في مصلحتنا، وليس في مصلحة الحرب على الإرهاب»، مشدداً على ان «هذا سيعزز رسالة داعش بأنها حرب ضد المسلمين». ويقول إن الامر ذاته ينطبق على ضرورة إيجاد حل للقضية الفلسطينية، لكون الاحتلال الاسرائيلي صار بدوره «احد عناصر نشر الدعاية المتطرفة وأيديولوجيا الإرهاب. إنهم يقولون للناس ان لا حل آخر لاستعادة حقوقهم».

(السفير)

 

السابق
أوباما: نتانياهو أخطأ في الماضي بشأن البرنامج النووي الايراني
التالي
واشنطن: حصول ايران على قنبلة نووية يهدد اسرائيل والولايات المتحدة معا