هل تحول العقبة المصرية دون تعاون استراتيجي بين أردوغان والملك سلمان؟

كما بات معلوما، فان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيصل مساء السبت الى المملكة العربية السعودية لأداء مناسك العمرة، ثم  ستبدأ زيارته الرسمية للرياض مباشرة بعد ان ينتهي السيسي من زيارته القصيرة والعاجلة أيضا، اي مساء الأحد أو صباح الاثنين.

بعض الجهات داخل المملكة وخارجها لا تزال ترى بأنّ لا شيء سينجم عن زيارة أردوغان للملك سلمان، وآخرين في المقلب الآخرون يبالغون ربما بتائج هذه الزيارة وما سينجم عنها. لكن الحقيقة انّه لا يمكن تجاهل سرعة ترتيب الزيارة من جهة، بالاضافة الى المؤشرات التي سبقتها فيما يتعلق بالمبادرات التي قام بها أردوغان من قطع جولته الافريقية واعلان الحداد يوما واحد في تركيا، أو بالتغييرات الداخلية والخارجية التي قام بها الملك سلمان حتى الآن، او بالزيارات التي قامها بها مسؤولون اتراك للمملكة خلال الأسبوعين الاخيرين، وكلها تحمل رسائل ايجابية جدا على انفتاح كبير لتعاون استراتيجي بين البلدين سيتم تحديد خطوطه العريضة في اللقاء الذي سيجري يوم الأحد.

سيتم بطبيعة الحال بحث العلاقات الثنائية السياسية ولاقتصادية، لكن مجالات البحث الأهم ستتعلق بملفات المنطقة. الملفات الأمنية تحتلّ أولوية لدى الطرفين، سواء لناحية انتشار جماعات التطرف المسلّح كداعش او لناحية انتشار أذرع ايران الطائفية المسلّحة في المنطقة. تنظيم “داعش” اليوم موجود على تخوم البلدين من الجهة السورية بالنسبة لتركيا ومن الجهة العراقية بالنسبة الى المملكة.

الزحف الايراني المسلّح على المنطقة يدمّر دولها بما يهدد الوحدة الجغرافية للبلدان الاخرى. لبنان وسوريا والعراق واليمن اليوم هي بلدان فاشلة، وهناك حديث عن الغاء حدود واعادة رسم حدود، ولاشك انّ هذا امر مقلق جدا لتركيا والسعودية سيما وانّ ايران باتت تطوّق السعودية من  ثلاث جهات، وكذلك الامر بالنسبة الى تركيا التي باتت ترى ايران على طول بوابتها الشرقية والجنوبية.

الطرفان يعلمان جيدا انّ هناك تطابق بينهما في مختلف الملفات التي تشكّل هاجسا لهما. وجهة النظر تكاد تكون واحدة والمصالح كذلك أيضا. في سوريا يريد كل منهما الاطاحة بالأسد، وأن لا تكون سوريا مقرّا للنفوذ الايراني، وكل منهما ايضا يعتبر بأنّ سياسات القتل التي مارسها الأسد بحق المدنيين والأبرياء بدعم ايراني وروسي مفتوح هي التي ادت الى خلق البيئة المناسبة لولادة الحركات المتطرفة المسلّحة ولنموها وتكاثرها وانّه من غير الممكن عمليا القضاء على الارهاب ما لم يتمن القضاء على مصدره اي الأسد. تركيا والمملكة متفقتان على خيار تدريب وتسليح المعارضة السورية المعتدلة، ولا يوجد اعتراض سعودي سابق على طرح تركيا القائل باقامة حظر جوي ومنطقة آمنة وضرورة توجيه ضربات لنظام الأسد أو الضغك باتجاه حل سياسي يؤدي الى اخراج الأسد من المعادلة وفق ما تنص عليه مخرجات بيان جينيف-1.

في الملف العراقي، فان الاتراك والسعوديين يعلمون جيدا انّ سياسات المالكي الطائفية (المدعوم امريكيا والخاضع لنفوذ ايران) هي التي اوصلت العراق الى ما هو عليه اليوم، حيث هددت سياساته بتقسيم البلاد وعمّقت التناحر والشقاق بين مختلف المكونات الطائفية والقومية واقصت عموم السنّة العرب بشكل كامل من العملية السياسية ولاحقتهم أمنيا بحجة مكافحة الارهاب واجتثاث البعث، وانّ هذا الاقصاء والتهميش والظلم والتعامل الامني هو الذي خلق الوضع الحالي، وأنّه من المستحيل محاربة “داعش” في العراق من دون استيعاب السنّة بشكل كامل وفاعل في العملية السياسية، وانّ استخدام ميليشيات شيعية وايرانية لمحاربة “داعش” لن يؤدي الا الى زيادة النيران الطائفية.

هذا ليس تحليلا، هذه قراءة رسمية من كلا البلدين لما يجري في العراق، وأذكّر انّ كلاهما كانا يقفان الى جانب المرشح العراقي الوطني اياد علاوي الذي فاز في الانتخابات السابقة الى ان اطاحت الصفقة الامريكية- الايرانية به واتت بالمالكي، والآن سيحاول كلاهما التواصل مع العبادي كي لا يكون تحت تأثير ايران بشكل كامل.

في الملف اليمني والبحريني، تركيا كانت من أوائل الدول التي دعمت التحرّك السعودي والخليجي، وكما سبق وذكرت في محاضرة لي في الكويت في العام 2013، هناك تفهّم تركي لخصوصية دول مجلس التعاون الخليجي وايضا احترام لمناطق نفوذ المملكة التقليدية. ولاشك ان الجانب التركي سيبدي استعداده مجددا لدعم اي جهد سياسي أو عسكري لدول المجلس في اليمن بما يضمن وحدة البلاد وسيادتها.

طبيعة التطورات في مختلف الملفات التي تشكّل تحديات لتركيا والمملكة العربية السعودية تحمل طابعا أمنيا، ولكنّ التفاهم السياسي  يختصر المسافة والوقت اللازمين لمجابهة هذه الحديات بفعالية. العنصر الإيجابي في هذه المعادلة هو انّ الملك سلمان قد يكون دون مبالغة رجل المرحلة بجدارة. خبرته الطويله في مجال دعم المجاهدين الأوائل في أفغانستان تؤهله لأن يعرف من أين تؤكل الكتف في الملف السوري لناحية تدريب وتأهيل المعارضة السورية. اشرافه ومتابعته للملف العسكري والدفاعي مع تركيا عندما كان وليا للعهد تجعله أكثر قدرة على فهم متطلبات هذا التعاون ومجاله ومداه، والزيارات التي قام بها وزير الداخلية التركي ورئيس هيئة الأركان ايضا الى المملكة خلال الفترة الماضية  دليل على ذلك.

التعاون الأمني والعسكري التركي – السعودي في الملف السوري والعراقي لم ينقطع حتى في ذروة الخلاف بين البلدين حول مصر. ولكن هذا التعاون كان في حدّه الأدنى وهناك مساحات كبيرة يمكن ملؤها الآن. هناك معلومات تشير  الى انّ مثلث الملك سلمان و ولي ولي العهد ووزير الداخلية محمد بن نايف ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان سيبنون على العلاقات الدفاعية التي كان سلمان ارساها مع تركيا عندما كان وليا للعهد بحيث يتم الارتقاء بالعلاقات العسكرية (اتفاقات عام 2012) والدفاعية (الصناعات الدفاعية التي تم توقيع اتفاقيات بشانها 2013) والامنيّة والاستخباراتية مع تركيا بشكل سريع.

الامر الآخر الذي يتعلق بشخصية الملك سلمان، هو طبيعته كرجل محافظ لا يمتلك نزعة عدائية للاسلاميين أو صدامية مع الحركات الاسلامية في المنطقة كتلك التي يمتلكها المحور الآخر في السعودية تجعله أكثر قدرة على احتواء هذه الحركات واستيعابها. قد لا يتفق مع  هذه الحركات ولكنه ليس عدوا لها، ومواجهتها ليست اولوية على اجندته. هذه الرؤية بالذات تمكنه من الانفتاح على هذه الحركات، وهذا يساعد على مكافحة التطرف والارهاب بطرق غير عسكرية، وهو ما يلتقي ايضا مع الموقف التركي الذي يعمل على استيعاب الاسلاميين الغاضبين في مصر وسوريا والعراق وفلسطين، عبر الممارسة المعتدلة كنموذج، والنبرة العالية في الانتقاد والتي لو لم تكن موجودة لكان كثير منهم ربما في صف “داعش” الآن.

في الملف الفلسطيني، يبدو انّ الطرفان سيعودان الى موقعهما السابق، وهو الانفتاح على كل من حماس وفتح معا، وقد بدا هذا التوجه واضحا خاصة بالنسبة للمملكة عندما استضاف الملك سلمان محمو عبّاس قبل ايام. كما انّ كل من تركيا والسعودية متفقتان على رؤية موحدة لعملية السلام وضرورة الضغط علىاسرائيل لانجازها، و دعم حق الفلسطينيين في انشاء الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشريف.

في كل هذه الملفات التي سيتم تباحثها لن يكون هناك مشكلة في التوصل الى تفاهم متين. يبقى الموضوع الأهم الذي فرّق الطرفين خلال الفترة الماضية وهو الملف المصري. من الواضح جدا كما ذكرت في مقالات عديدة سابقة أنّ هناك تغيّر في الموقف السعودي من نظام السيسي، لن يتم استعداؤه ولكن لن يتم دعمه بالشكل الذي كان عليه الأمر سابقا. الجانب التركي كان أبدى خلال نهاية عام 2014، وبداية عام 2015 مرونة في التجاوب مع اي تعديل يطرأ على الوضع المصري، مع ضرورة ان يتفهم الجانب المصري بان تركيا لا يمكنها التراجع في اي حال من الاحوال عن اعتبار ما جرى في مصر انقلابا عسكريا وذلك من منطلقات داخلية بحتة خبرت خلالها اربعة انقلابات عسكرية سابقة.

وقد طرح آنذاك في العلن كل من بولنت ارينج (نائب رئيس الوزراء والناطق باسم الحكومة التركية) وتشاووش اوغلو (وزير الخارجية) وتانغو بيلغيج (المتحدث باسم الخارجية) و أحمد داوود اوغلو (رئيس الوزراء) بعض المتطلبات والخطوات التي يتوقعونها من الجانب المصري  ومنها: وقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، والتراجع عن الأحكام الجائرة، والافراج عن المعتقلين والاتاحة للمواطنين التعبير عن ارادتهم الحرة على المستوى السياسي والاجتماعي واتخذا خطوات باتجاه الديمقراطية. وبعض الخطوات الاخرى تم طرحها في اجتماعات مغلقة ووصلت للجانب السعودية والمصري آنذاك وتمّ رفضها.

الآن، المفتاح المصري في يد المملكة العربية السعودية. وبما ان المملكة كانت الداعم السياسي الأكبر لنظام السيسي وبما انّها لا تزال الداعم الاقتصادي والمالي الأكبر ، وبما انّ هذا النظام لا يمكنه ان يستقر او يستمر من دون الدعم السعودي والخليجي، فبامكان المملكة استخدام نفوذها من أجل طرح مبادرة او تسوية تؤمن امن واستقرار ومصر وتدفع السيسي الى تغيير سياساته الداخلي والخارجية التي تضر اصلا بالمملكة كما ذكر ت بالتفصيل في مقالي ” كيف يمكن للملك سلمان أن يغير معادلة المنطقة انطلاقا من مصر؟” على ان يبحث شكل هذه المبادرة ومضمونها مع مختلف الاطراف المعنية، وبالتالي تتراجع تركيا ايضا خطوة الى الوراء ونحصل على معادلة جديدة في المنطقة. هل هذا الطرح ممكن؟ نعم ممكن جدا، وهناك من يشير الى انّ الجانب التركي قد يبادر خلال الزيارة الى الاشارة انه مستعد لمراجعة موقفه اذا حصل تغيير ايجابي في الوضع المصري.

معالجة الوضع المصري اذا ما نجحت ستكون انعكاساتها ايجابية جدا على المنطقة برمتها، وسيصبح بالامكان حل الكثير من الملفات بشكل سريع في شمال أفريقيا والمنطقة وبالتالي التفرغ لموضوع النفوذ الايراني في سوريا والعراق واليمن وكذلك الى موضوع صعود الجماعات المتطرفة المسحلة بشكل أكبر وأسرع واكثر فعالية. ما بعد الزيارة سيعطينا مؤشرات عمّا اذا كنّا نتّجه في سياق حصول مثل هذه المبادرة السعودية ام انّ هناك حسابات أخرى، سيما وانّ بقاء الوضع المصري على حاله سيفرغ من دون شك التعاون التركي- السعودي الاستراتيجي المفترض من مضمونه نظرا للتناقض القائم بين سياسات السيسي الداخلية والخارجية وبين مصالح المملكة وتركيا في مواجهة التحديات الاقليمية المتراكمة من جهة اخرى.

(عربي 21)

 

السابق
بعد الخلاف القوي بينهما.. هذا ما قالته أحلام لنجوى في عيد ميلادها!
التالي
إرتباط بين مي عز الدين وطليق هيفاء؟