مسيرة الوفاء لمعروف سعد في صيدا

كانت مسيرة صيدا بمناسبة الذكرى الأربعين لاستشهاد المناضل معروف سعد، مسيرة وطنيّة بكلّ ما للكلمة من معنى، فشاركت فيها كلّ القوى السياسيّة الوازنة، ولم يغب عنها إلا من استثنى نفسه أو استُثني عن هذا المشهد الوطني.

سار المتحالفون والمختلفون كتفاً إلى كتف داخل شوارع صيدا. كانوا من المشارب كافة: وطنيين وعروبيين وقوميين وإسلاميين وشيوعيين واشتراكيين لبنانيين وفلسطينيين، متحلّقين حول «التنظيم الشعبي الناصري»، «مجددين البيعة» لنهج هذا الشهيد بعد مضي أربعين عاماً على اغتياله. الصورة النادرة التي تظّهرت داخل عاصمة الجنوب، أثبتت أنّ المدينة تحنّ إلى معروف سعد وزمنه البعيد عن المذهبية والطائفية والمناطقية.
وما لم تتمكن من تحقيقه كل الظروف الصعبة والخطيرة التي مرت على صيدا، والتي كان أشدّها ظهور حقبة أحمد الأسير، استطاعت مسيرة سعد أن تفعله، فأوفدت النائبة بهية الحريري ممثلاً عنها ومعه ممثلون من «تيار المستقبل» لأوّل مرة.
وبالرغم من أنّ المشاركين قُدّروا بالآلاف من سياسيين ورجال الدين وحشد بشري، فإنّه يسجّل للمنظمين بأنّهم تمكّنوا من تنظيم مسيرة ضخمة ناجحة ومضبوطة الإيقاع من الألف إلى الياء، بما فيها عدم تفلت اي شعار او هتاف.
وكانت المسيرة الحاشدة انطلقت من البوابة الفوقا قرب نصب الشهيد معروف سعد، ووصلت الى ساحة النجمة على مقربة من المكان الذي اصابت فيه رصاصات الغدر الشهيد معروف سعد في 26 شباط سنة 1975. وهناك ألقى الأمين العام لـ «التنظيم» الدكتور أسامة سعد كلمة أكدت على نهج الشهيد.
وقد امتلأت الساحات والشوارع في صيدا بمناصرين ومحبين أتوا من صيدا والجنوب وإقليم الخروب والمخيمات الفلسطينية ومختلف المناطق اللبنانية ومن الفئات كافة، رافعين شعارات كـ «الدفاع عن قضايا الشعب وحماية الوطن»، و «تجديداً للعهد»، و «وفاءً لنضالات الشهيد معروف سعد ولنهجه العربي المقاوم المدافع عن قضايا الوطن والفقراء».
وإلى جانب أسامة سعد، تقدم المسيرة منسق «تيار المستقبل» في صيدا والجنوب ناصر حمود ممثلاً النائبة الحريري، والأمين العام لـ «الحزب الشيوعي اللبناني» خالد حدادة على رأس وفد، نائب رئيس المجلس السياسي لـ «حزب الله» الحاج محمود قماطي ممثلاً «حزب الله» على رأس وفد، والحاج أبو أحمد الصفاوي ممثلاً «حركة أمل» على رأس وفد، المسؤول السياسي لـ «الجماعة الاسلامية» بسام حمود على رأس وفد، رئيس بلدية صيدا محمد السعودي على رأس وفد من المجلس البلدي، والعديد من الأحزاب القومية والوطنية والإسلاميّة والفاعليات وقادة الأحزاب في صيدا والجنوب وإقليم الخروب وبقية المناطق اللبنانية، بالإضافة إلى هيئات واتحادات شبابيّة ونسائية وتربوية، وشخصيات اجتماعية ونقابية واقتصادية وتربوية ونسائية وشبابية ورجال دين.
كما شارك أيضاً سفير فلسطين في لبنان أشرف دبور على رأس وفد من السفارة، أمين سر حركة «فتح» و «منظمة التحرير الفلسطينية» في لبنان فتحي أبو العردات، وممثلون عن فصائل منظمة التحرير الفلسطينية: «فتح»، «الجبهة الشعبية»، «الجبهة الديموقراطية»، «جبهة التحرير الفلسطينية»، «جبهة التحرير العربية»، «جبهة النضال الشعبي»، «الجبهة العربية الفلسطينية»، و»حزب الشعب الفلسطيني»، وممثلون عن فصائل التحالف الوطني الفلسطيني: حركة «حماس»، و «حركة الجهاد الإسلامي» و «الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة»، حركة «انصار الله»، «الصاعقة»، «جبهة التحرير الفلسطينية»، «جبهة النضال الفلسطيني».
ومشى في الطليعة الفرق الكشفية، ورفع المشاركون الأعلام اللبنانية والفلسطينية، ورايات «التنظيم» وبقية القوى، وصور الشهيد معروف سعد وصور رمز المقاومة الوطنية مصطفى معروف سعد.
وبعد كلمة لعضو قيادة «التنظيم» طلال أرقه دان، شدّد سعد في كلمته على أنّ «قوى الظلام والإرهاب المتستّرة بستار الدين والمتاجِرة بالإسلام والمذهبية، لا تطلق طلقة واحدة ضد العدو الصهيوني، بل هي ترتمي في أحضانه كما يحصل جهاراً نهاراً في الجولان، وهي تخدم أهداف إسرائيل عبر شنّ الحرب على لبنان وسوريا والعراق ومصر وليبيا وغيرها من البلدان العربية، وعبر العمل على تدمير الجيوش العربية، والدول العربية والمجتمعات العربية».
ورأى أنّ «مواجهة الطائفية والمذهبية والإرهاب لكي تكون مواجهة ناجحة لا بد لها أن تكون شاملة ولا بد أن تشمل أيضاً الجوانب السياسية والثقافية والاجتماعية والفكرية، بالإضافة إلى الجوانب الأمنية والعسكرية».
واستهجن سعد أن «تصنِّف بعض القوى الطائفية والمذهبية في لبنان نفسها في خانة الاعتدال، ومن المستغرب أن هناك من داخل لبنان ومن خارجه، من يتبنى هذا التصنيف». وأضاف: «تلك القوى التي تعمل على افتعال الانقسامات بين اللبنانيين، وتمارس الاستفزازات، وتحرض على الاقتتال بين أبناء الشعب الواحد، لا يمكن بتاتاً اعتبارها قوى معتدلة، بل هي لا تمت للاعتدال بأي صلة. تلك القوى التي تكثر من الكلام عن العبور إلى الدولة بينما هي لا تقوم في الحقيقة إلا بتدمير الدولة ورعاية الفساد والمحسوبية والزبائنية في جسد الدولة، وتهميش مؤسسات الدولة وتدميرها ونهب مواردها وتعميم الشلل على المؤسسات الدستورية، هي التي وفرت الحضن الدافئ للجماعات الإرهابية التي ترتكب الجرائم الوحشية بحق الشعب اللبناني والجيش اللبناني».
ولفت سعد الانتباه إلى أنّ «تلك القوى الطائفية والمذهبية السلطوية لا تزال تمتنع عن توفير ما يحتاج إليه الجيش من سلاح حديث وعديد وعتاد، ومع ذلك يواجه الجيش جحافل الإرهابيين»، موجهاً التحية إلى الجيش اللبناني الباسل.
ودعا إلى الالتفاف حول المقاومة، وإلى تعميق التعاون بين المقاومة والجيش اللبناني، كما دعا الى الوحدة الوطنية الفلسطينية تحت راية المقاومة. وشدد سعد على أهمية التعاون بين القوى التقدمية العروبية في لبنان وفي سائر أرجاء الوطن العربي، مطالباً بالارتقاء بمستوى التنسيق بين قوى تيار المقاومة لمواجهة التحديات الخطيرة التي تواجهنا في لبنان وبقية الأقطار العربية.
ولفت سعد الانتباه إلى أنّ «المقاومة في لبنان وفلسطين تقف وحيدة في مواجهة العدو الصهيوني، وتوجه له بكل بسالة الضربات الموجعة، وتمنعه من تحقيق أهدافه».
كما أكد أسامة سعد «الالتزام بنهج معروف سعد، النهج العربي المقاوم المؤدي الى الانتصار على العدوان الصهيوني والاستعماري وعلى إرهاب الظلاميين والى إسقاط النظام الطائفي العفن»، مجدداً عهد الاستمرار بالمطالبة بالاقتصاص من المجرمين الذين اغتالوا الشهيد.
ولمناسبة الذكرى الأربعين للشهيد، زار صيدا وفد من «الحزب التقدمي الاشتراكي» موفداً من رئيس الحزب النائب وليد جنبلاط، ضم كلاً من تيمور جنبلاط والنائب علاء الدين ترو، والتقى سعد في حضور قياديين من «التنظيم».
ونقل وفد «الاشتراكي» لسعد تحيات الحزب ورئيسه بهذه المناسبة، كما نوه الوفد بالتاريخ المشترك الذي جمع بين «الاشتراكي» و«التنظيم». فيما عبّر سعد عن ترحيبه بالزيارة، وأشاد بالعلاقات التي جمعت بين الطرفين منذ عهد الشهيدين كمال جنبلاط ومعروف سعد، والمناضل مصطفى سعد، وصولاً إلى اليوم، مؤكداً أنّ «الوطنية اللبنانية والعروبة الجامعة يجمعان التنظيم والاشتراكي، ويشكلان خيارهما المشترك».
كما التقى سعد بعد انتهاء مسيرة الوفاء الوفود السياسية والاجتماعية والشعبية التي جاءت للمشاركة في إحياء المناسبة. ومن بين الوفود: النائب ميشال موسى، وراعي أبرشية صيدا ودير القمر للروم الملكيين الكاثوليك المطران إيلي حداد، شخصيات ووفود من المناطق. كما تلقى سعد للمناسبة سلسلة برقيات من مرجعيات سياسية وروحية، واتصالات من بينها اتصال من الرئيس فؤاد السنيورة.

(السفير)

 

السابق
ليلى عبد اللطيف: الرئيس في الربيع.. والحريري والسيد حسن يطلان يداً بيد
التالي
أدين بعلمانية الشيخ عبد الله العلايلي