خطاب سيئ

يوم الثلاثاء المقبل الأمر سيقع. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو سيخطب أمام الكونغرس الأميركي في محاولة لإنقاذ أمة كاملة من المصيبة التي ستحلّ عليها: إيران نووية. ولا يمكن تخيّل سيناريو أفضل من هذا لنتنياهو، على الأقل إلى أن جاء رئيس مجلس النواب جون باينر لمساعدته بإطلاق خطوة قد تساعد زعيم الليكود في منافسته ضد رئيس المعسكر الصهيوني اسحق هرتسوغ.

وعلى الطريق، يتوقع أن يلحق الخطاب ضرراً لا بأس به بالعلاقات بين أميركا وإسرائيل. وقد تبدّد احتمال أن يقف ممثلو الديموقراطيين إلى جانب إسرائيل وضد الرئيس باراك أوباما بشأن المفاوضات حول المشروع النووي الإيراني. وسيكون الخطاب استعراضاً من جانب نتنياهو والجمهوريين ضد أوباما والديموقراطيين. وستعاني العلاقات الأميركية الإسرائيلية، التي تأسست دوماً على واقع تأييد الحزبين لدولة إسرائيل، من شرخ سيكون بين الأزمات الأشد المعروفة حتى اليوم. كما أن هذه ستكون إحدى الساعات الأقسى على المنظمات اليهودية، وأنصار إسرائيل في أميركا، الذين أفلحوا جداً على مر السنين الأخيرة بفضل الدعم الذي ينالونه من الحزبين. فالمنظمات ستبدو كأنها نصيرة لنتنياهو وخصماً لأوباما، أو جمهورية في مواجهة الديموقراطيين، حتى إذا لم يكن لهذا المظهر أي أساس واقعي.
ويزعم نتنياهو أنه يخرج للولايات المتحدة من أجل إقناع الأميركيين أن الاتفاق الذي يتبلور بين القوى العظمى وإيران هو نوع من الكارثة. ولكن هذا ليس إلا عملية ذر الرماد في عيون الناخبين الإسرائيليين. فكل طفل في واشنطن يعرف أنه احتمال أن يغيّر خطاب نتنياهو من السياسة الأميركية لا يقترب من الصفر بل هو الصفر. فقد تحققت نجاحات لإسرائيل واللوبي المناصر لها في واشنطن في السنوات الأخيرة بحذر وبغير قليل من الاتصالات الهادئة مع أعضاء الكونغرس.
وبالمقابل، فإن خطاب نتنياهو هو كلام في كلام، وكما يُقال في العربية إنه «كلام فاضي». وقد أجاد في وصف ذلك وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان الذي عاد هذا الأسبوع وكرّر القول للمرة المئة: When you have to shoot, shoot. Don›t talk فخطاب علني ومناكف من جانب رئيس الحكومة الإسرائيلية أمام الكونغرس الأميركي، خطاب لم يتمّ ترتيبه مع الرئيس الأميركي ولم ينل موافقته، ليـــــس هو السبيل لإقناع الرئيس والكونغرس. إنه في حدّه الأقــصى يرمي لكسب الانتخابات في إسرائيل.
وبغضّ النظر عن خطاب نتنياهو، فإن الاتفاق المتوقع مع إيران هو فعلاً اتفاق سيئ، كما فهمت دول عربية عدة. والطريقة التي أديرت بها المفاوضات بين الولايات المتحدة والقوى الخمس العظمى الأخرى مع إيران، ليست إيجابية على أقل تقدير في نظرها. ومنذ أشهر طويلة والأميركيون يديرون مباحثات مع طهران من دون استخدام للعصي، وفقط باستخدام الجزرة. ورغم التصريحات المتفائلة من واشنطن، فإن الاتفاق المتبلور يسمح لطهران بالحفاظ على مكانة دولة حافة نووية.
لا تتعاطى الدول العربية المعتدلة بجدية مع ذهاب نتنياهو إلى الكونغرس، والصحيح أنها تتجاهله. وهي تعرف أن الخطاب لن يفيد في شيء. كما أن زعماء هذه الدول يفهمون أن كل ربط لهم بنتنياهو ضار لهم في أوضاعهم الداخلية. وهذا لا يعني أنها تتعامل بتسامح مع المفاوضات بين إيران والقوى العظمى. والعكس هو الصحيح. فالدول العربية تنظر بخطورة، ربما أكثر من إسرائيل، للاتفاق المتبلور بين طهران والقوى العظمى.
والقادة العرب لا ينجحون في فهم السياسة الخارجية لأوباما. والمقاربة السائدة، في الرياض والقاهرة وعمان ودولة الإمارات وسواها، هي أنه محظور إدارة مفاوضات مع طهران. وبالنسبة للدول العربية المعتدلة، ينبغي للولايات المتحدة أن لا تستخدم مع إيران سوى العصا، وأن تبدي الشدة في المحادثات وليس التساهل.
فطهران النووية هي خطر استراتيجي على الدول العربية: في المستوى العسكري، بسبب الخشية من الصواريخ بعيدة المدى ومن العمليات الإرهابية، وفي المستوى المدني، بسبب التآمر الإيراني داخل هذه الدول وأماكن أخرى، مثل اليمن. والدول العربية المعتدلة تعتقد أنه إذا كان الإيرانيون، والشيعة عموماً، سيمتلكون قدرة عسكرية نووية، فلن يكون بوسعهم منع ذلك، وسيكون عليها تطوير سلاح نووي أو امتلاك قدرة حافة نووية.
وخطر إيران النووية على الدول العربية خطر عظيم. ليس أقل من الخطر على دولة إسرائيل. وهذا يشكل قاسماً مشتركاً واسعاً، وهو أوسع مما نتخيّل، طالما لا أحد يعلن عنه صراحة. مع ذلك، رغم شراكة المصير في الشأن الإيراني، لا تزال هناك خلافات كبيرة بين الدول العربية المعتدلة بزعامة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وبين إسرائيل: المسألة الفلسطينية. وحسب الموقف العربي، ينبغي التطلّع إلى حلّ هذه المسألة من أجل منع تصعيد إقليمي آخر، وسياسة تل أبيب تبدو غريبة في أنظارهم بل وضارّة. وبالنسبة إليهم فإن أبا مازن هو شريك ممتاز للسلام وهم لا ينظرون بتعاطف إلى العداء الذي تبديه حكومة إسرائيل ولا إلى الجمود في العملية السياسية.
(والا)

 

السابق
اول أيقونة للشهداء الاقباط الـ21
التالي
لماذا ليبيا وليس سيناء؟