بين «حزب الله» والحوثيين.. من الشّبَه أربعين

يرفع عبد الملك الحوثي إصبعه وتغور عيناه خلف وجنتيه وهو يوصل رسالة التهديد، ثم يبسط كفّيه مطالباً خصومه المنفيين أو الخاضعين للإقامة الجبرية إلى حوار «عاقل« يسلّم له اليمن السعيد من حدود نجران إلى باب المندب.

مشهد الخطيب الحماسي الجالس أمام كاميرا التلفزيون، بخلفية إخراجية(كروما) متقنة مع شعارٍ مصمّم خصيصاً لكل مناسبة، يعرفه اللبنانيّون جيّداً، حتى أنه يبدو كوقت مستقطع من خطابات السيّد نصرالله على قناة «المنار«، مع حفظ الحقوق للمخرج الذي يشغّل بث قناة «المسيرة« الحوثية من ضاحية بيروت الجنوبية.

أوجه الشبه، أو الاستنساخ، بين الحوثيين والأخ الأكبر «حزب الله«، تزايدت بشكل ملفت في الأشهر الأخيرة، في الشكل من الصورة والخطابة والإخراج التلفزيوني وقاموس المصطلحات، وحتى في لغة جسد زعيمَي التنظيمين، اللذين يتقاسمان الاسم نفسه «أنصار الله» وهو الاسم الذي كان «حزب الله» يحمله عند تأسيسه، فيما بقي الحوثيون يطلقونه على تنظيمهم.

في تبريره لاقتحام دار الرئاسة اليمنية، استعار «سيّد المقاومة اليمنية« بالحرف تعبيرات من تبريرات نظيره اللبناني السيد نصرالله لاقتحام بيروت في السابع من أيار 2008. «هي خطوة لا بدّ منها«، يقول الحوثي، ويسهب في الحديث عن «المنطلقات الوطنية والأخلاقية والشرعيّة«، من دون أن ينزلق في متاهات «اليوم المجيد«! ربّما يقولها يوماً ما، أو ربما عَلِمَ الرجل، بحسب مراكز الدراسات والبحوث لحزب الله، أن الأخير خسر انتخابات 2009 البرلمانية بعد «تمجيد« انقلابه.

الأدبيات نفسها التي خبرها اللبنانيون تتكرر. يوجّه الحوثي كلامه الى «الأمّة«، مستصغراً وطنه أمام «صرخة« الموت لأمريكا واللعنة لليهود. يمجّد ميليشياته (اللجان الشعبية)، ويرفع دورها «الوطني« إلى مستوى القداسة، قبل أن يقدّم نفسه، وحده، الحريص على «مؤسّسات الدولة«!

في العلاقة مع الجيش اليمني والأجهزة الأمنية والإدارات الرسميّة، يظهر عمق استنساخ التجربة. بدلاً من التصادم التقليدي بين الجيش- أي جيش- والميليشيا- أي ميليشيا، يحتذي الحوثيّون النموذج الجديد. ينتهي الحوثي من معركة طاحنة يسيطر بعدها، بالسلاح الميليشوي على لواء بأكمله، ويُخرج الجيش اليمني من صعدة ثم من عمران ثم من صنعاء، وينكّل بالضباط والأفراد، ليخرج بعد ذلك بعبارة لطيفة: «نوجّه التحية للجيش اليمني الذي يقف بوجه المؤامرة الغربية على بلدنا وبوجه الحركات الارهابية«، في خطاب يشبه خطابات «النصر الالهي«، وكأن النص كُتِبَ في حارة حريك.

تقفز الميليشيا إلى قلب دار الرئاسة، ومن هناك يظهر الوجه الجديد لتصدير الثورة الإيرانيّة. بدلاً من إعلان العداء للجيش والمؤسسات الرسمية، تقتضي الاستراتيجية الجديدة ابتلاعها. يقرأ شاب يافع بيان الانقلاب في حضور وزير الدفاع وكبار ضباط الجيش الموالين، طوعاً أو كرهاً، فيما الضباط الرافضون قتلى أو أسرى «فارون من وجه العدالة«.

بعد سنوات من التغلغل وشراء الولاءات، يصبح الحوثي هو الشرعية، والجيش المصفّى من المعارضين هو الحوثي، وكلّ من يقف في وجه الميليشيا يصبح حكماً ضد شرعية الجيش الذي ابتلعه وتغلغل فيه على مرّ اعوام. وعليه، فالمعارضون لسياساته، هم مجرّد «تكفيريين ارهابيين من صنيعة الكيان الصهيوني«! هذا ما حدث مع الرئيس عبد ربه منصور هادي بعد انسحابه من صنعاء، هكذا لا يجد مسؤول حوثي غضاضة في القول إن «هادي أصبح قائداً لفصيل من فصائل تنظيم القاعدة«!

يواصل الحوثي حديثه الموجّه الى «أهله اليمنيين«! يتراجع عن الالتزامات والاتفاقات التي اتًّفق عليها مع الرئيس هادي، تماماً كما تنصّل حزب الله من «اعلان بعبدا«، ويطالب اليمنيين بالحوار وفق شروط الهيمنة الجديدة، مع «رفع الاصبع« طبعاً! الحوار على أساس أن «الاعلان الدستوري« خارج النقاش، تماماً كالحوار في لبنان تحت سقف أن «السلاح (المقدّس) غير قابل للنقاش«.

يمتد «الاستنساخ« بوجه أكثر فجاجة إلى استخدام مركزية القضية الفلسطينية في الوجدان العام. يرفع الحوثي «صرخة« «الموت لأمريكا« و«اللعنة لليهود« للجمهور اليمني في النهار، ويكاد يقتل خصومه بتهمة العمالة، ثم يتحوّل إلى الغرب والدول الخليجية في الليل محذراً من خطر «التكفيريين«، لعلّه ينال وكالة دوليّة حصريّة لمحاربة القاعدة، واستطراداً خصومه من الإخوان المسلمين.

وفي الأثناء، تجوب الطائرات من دون طيّار الأميركية الأجواء اليمنيّة، و«يصدف« أنها تقصف معسكرات القاعدة قبل أن يغير عليها الحوثي، من دون تقع إصابة واحدة في صفوفه، ولو بالخطأ، من النيران الأميركية الصديقة. لم لا؟ الحكومة العراقية وقاسم سليماني يواجهان العشائر العراقية بحجة «الارهاب«، جنباً الى جنب مع «خبراء الشيطان الأكبر العسكريين«!

بالشكل، هناك أوجه شبه كبيرة بين «حزب لله« والحوثيين، ليس أقلها رفع الأصبع والتهديد والوعيد، واضعاف الجيوش لصالح قوّتهما العسكرية، والعمل على تفريغ المؤسسات الدستورية وأوّلها الرئاسة. ولكن هناك فوارق في الظروف التاريخية لتشكّل كل من التنظيمين. حزب الله تأسس بقرار إيراني، وهو جزء من الهرمية الايرانية قلباً وقالباً. بينما الحوثيون يملكون حيثية محلية ومنطلق عقائدي ابتداءً في مكان آخر واقتربوا من ايران في ظروف سياسية وعسكرية معينّة.

على أن العلاقة بين الحوثي ومحور إيران تنطوي على قدر من البراغماتية والمذهبية في آن معاً. إيران الشيعية الاثني عشرية، تؤمن بعصمة الأئمة الاثني عشر وولايتهم التكوينية، فيما الشيعة الزيدية أقرب إلى السنّة منهم إلى الشيعة الاثني عشرية من حيث إقرارهم بخلافة الخلفاء الثلاثة السابقين للإمام علي بن ابي طالب مع اعتبارها خلاف الأولى، وعدم اعتقادهم بالإمامة والعصمة، حتى أن كتب العديد من أئمتهم تعد من المراجع المعتمدة في كليات الشريعة السنيّة. غير أن لجوء والد عبد الملك الحوثي حسين بدر الدين الحوثي إلى إيران في غمرة مواجهته مع السلطة جعله يتماهى معها سياسياً ومذهبياً، فعاد إلى اليمن بمقولات الاثني عشرية، وطقوس الاحتفال بعيد الغدير وإحياء عاشوراء على نحو غير معهود سابقاً، ولو أن القليل يقال اليوم في الإعلام عن حدود هذا التماهي العقائدي، ومدى تخلي الحوثي عن الزيدية لحساب الاثني عشرية.

وفي سياق الدلالة القصوى على التماهي بين التجربتين يقول الدكتور سعود المولى في كتابه الجديد الصادر قبل عشرة أيام بعنوان «الحوثيون واليمن الجديد«، صفحة 184، «إن سفر حسين الحوثي في 1994 ووالده الى إيران، ثم لبنان، قد جعله يعود أكثر اعجاباً بالتجربة الإيرانية والخمينية وتجربة «حزب الله«.

في حديثه الى «الأمة«، ينصّب الحوثي نفسه «زعيما«، ليس على اليمن فقط، بل على الجزيرة العربية. خاطب الرجل مراراً شعوب وحكام الخليج العربي، تماماً كما يخاطب نصرالله شعوب بلاد الشام والمنطقة. يبدو أنه تقسيم أدوار بين «زعيمَي الأمة« لما تقتضيه ضرورات مشغّلهما، لتغطية أكبر قدر ممكن من المنطقة العربية.

كثرت الدعوات في الساعات الاخيرة لنقل الحوار اليمني الى الخارج. بعض الاطراف رحب بالدعوة، والبعض الآخر عارضها. كل ذلك تفصيل. على ماذا تحاور الاحزاب اليمنية الحوثي بعد سيطرته على مفاصل الدولة والجيش ؟! هل يرضى الحوثي أن يكون سلاحه على طاولة الحوار، أم أنه من المقدسات التي يحرم المساس بها؟! ماذا عن معادلة «الجيش والشعب واللجان الشعبية« الحوثية المستنسخة من معادلة حزب الله «الذهبية«، هل يصر الحوثي على ادخالها في اي بيان وزاري للحكومات المقبلة، فيسرح ويمرح ويلوح بها في أي عمل يفرضه على اليمن كما يفعل حزب الله؟ هل يوافق اليمنيون على الحوار لتمرير المرحلة بأقل الخسائر الممكنة بانتظار تسويات المنطقة الكبرى؟!

(المستقبل)

 

السابق
ملابس «فاضحة» ضمن مساعدات تركية للنازحين!
التالي
100 الف دولار مقابل ظهور كيم كارداشيان من دون عيوب على انستغرام