الرئاسة على طاولة «المستقبل»-«حزب الله»

حزب الله وتيار المستقبل

أن يقوم حوار على الضفة الاسلامية بين “المستقبل” و”حزب الله”، وبين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” على الضفة المسيحية، لمعالجة الهواجس الرابضة على كلتا الضفتين، لا يعني بالضرورة قيام محور مسيحي ثانٍ يقوده الرئيسان أمين الجميل وميشال سليمان، إذا لم يكن لهذا المحور ما يبرره .

الحوار المسيحي الرديف الذي تجلى في اللقاءات التشاورية التي بدأها الرئيس سليمان من منزله، وأعقبه الرئيس الجميل بإستضافتها في دارته أيضاً، لم تلاق ترحيباً كبيراً في أوساط سياسية موازية، لا عند “تيار المستقبل” الذي عمد إلى سحب الوزير ميشال فرعون من تلك اللقاءات، ولا عند الرئيس نبيه بري الذي لم يخف أمام زواره تحفظه عن رؤية بعض الشخصيات المسيحية الصديقة حاضرة لتلك اللقاءات ومشاركة فيها.
وإذا كان الانزعاج مبرراً في الاوساط المسيحية المتحاورة اساساً على مستوى “القوات” و”الوطني الحر”، نظرا إلى ما تحمله تلك اللقاءات التشاورية من دلالات على “تهميش” يشعر به بعض القيادات الباحثة عن دور او موقع، على ما تقول تلك الاوساط، فإن الانزعاج الحقيقي يمكن تلمسه عند رئيس الحكومة، الذي يشعر بأنه، تحت عنوان الدفاع عن صلاحيات رئيس الجمهورية وحمايتها من إستئثار مجلس الوزراء لها، وإن بموجب الدستور،بدأ يستنزف صلاحيات رئاسة الحكومة، فيما التعطيل المتكرر من عدد من الوزراء، بات يستنزف بدوره حيوية الحكومة وقدرتها على الانتاج، ليحولها بذلك إلى واقع تصريف الاعمال، وهو واقع ينطوي على محاذير خطرة جداً في ظل الشغور في سدة الرئاسة، وتعطل السلطة التشريعية.
لا يحمل اللقاء التشاوري بالنسبة الى مراجع سياسية رفيعة أي جديد أو قيمة مضافة الى الحوارات الثنائية الجارية. بل هو يعكس واقعاً مسيحياً مشرذماً لا يساعد إطلاقاً على تعبيد الطريق أمام عبور آمن للإستحقاق الرئاسي الذي بدأ في الواقع يتلمس طريقه وسط معطيات محلية ودولية تشي بأن البلاد دخلت فعلا مرحلة الرئاسة.
واذا كان اللقاء التشاوري المسيحي يسعى الى وضع تحركه في إطار الضغط من أجل ملء الشغور الرئاسي، ويمكن القول انه نجح في ذلك، فإن المراجع السياسية نفسها تنظر بإهتمام أكبر الى جلسة الحوار السابعة التي تنعقد اليوم بين ” المستقبل” و” حزب الله”، لما تنطوي عليه من إشارات ودلالات مهمة في شأن الملف الرئاسي. وتكمن هذه الأهمية  في كونها المرة الاولى يقارب ركنا الحوار السني – الشيعي الاستحقاق الرئاسي ضمن جدول أعمالهما. وعلى رغم ان هذه المقاربة لن تخوض في تفاصيل الاستحقاق وحيثياته، كما تكشف المراجع المواكبة لهذا الحوار، لكنها تبقى في رأيها، نقلة نوعية في إتجاه مقاربة الأزمة الرئاسية إنطلاقاً مما بدأت ترتبه من أخطار وتعطيل لم يعد في إمكان المكون المسلم تجاهلها، في إطار معالجته لمكامن الخطر على الاستقرار الداخلي.
يضاف الى ذلك، العامل الدولي الذي بدأ يضغط في إتجاه إنضاج تسوية تتصل بملف الرئاسة. وتملك المراجع السياسية نفسها معطيات جدية في هذا الاتجاه، فضلا عن ان أوساطها لا تقلل من أهمية عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت والذي تناول في حيز كبير من اللقاءات التي عقدها هذا الملف.
لكن المراجع لا تكتم في المقابل غيظها مما وصفته بالمناكفات المسيحية التي لا تحتمل البلاد ترفها في الظروف الخطرة التي تمر بها.
وتسأل في معرض إستغرابها للجلبة القائمة حول آلية العمل الحكومي في ظل الشغور، الفريق المسيحي المعترض، أين يشعر بإنتقاص مجلس الوزراء من موقع رئاسة الجمهورية إذا تم اللجوء الى تطبيق الدستور والعمل في إطار التوافق، ولماذا لا يلتفت هذا الفريق الى المجلس النيابي حيث التعطيل غير المعلن هو السائد وحيث التشريع متوقف، فضلا عن عجز رئيسي المجلس والحكومة عن تأمين التوافق من اجل صدور مرسوم عن الحكومة يدعو الى فتح دورة إستثنائية للمجلس؟
وتخلص المراجع الى القول ان ما يحصل اليوم هو إستهداف للرئاسة الثالثة من حيث موقعها ورمزيتها الطائفية، إذ تحول رئيس الحكومة إلى وزير، مثله مثل أي وزير آخر في حكومته، وباتت البلاد كلها معطلة، رئاسة وحكومة ومجلسا نيابياً. وليس مسموحاً ابدا ان تكون الرئاسة الأولى ذريعة للفريق المسيحي لممارسة التعطيل. فإذا كان ثمة ” نكايات” تحصل بين الأطراف المسيحية، فمن غير المسموح ان تدفع البلاد ثمن  ما وصفته بـ”الفشفشة”، سعياً وراء مقعد أو دور.
على المقلب الحكومي، لا تبدو الصورة أفضل. إذ بات رئيس الحكومة أمام خيار من إثنين: إما التريث في دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد من اجل إنضاج توافق سياسي لا يخرج الفريق المسيحي المعارض من الصورة، وإما توجيه الدعوة من المكان الذي وصلت اليه المشاورات حيال اعتماد التوافق بديلا من الإجماع، وعقد الجلسة بمن حضر. وترى المراجع ان على المعترضين الحضور والمشاركة او الاستقالة.
لم يعد الوقت لمصلحة رئيس الحكومة. فإذا لم يبادر الى توجيه الدعوة، يكون يخاطر بأمرين:  مصير الحكومة المهددة بأن تتحول إلى تصريف الاعمال إذا ظل على موقفه ولم تستجب القوى السياسية له، وإنسحاب الفراغ تالياً على كل المؤسسات الدستورية. وهي الحال السائدة منذ أسبوعين .
من هنا، لا تستبعد المراجع السياسية ان يعمد سلام في الساعات القليلة المقبلة الى دعوة المجلس الى الانعقاد والبحث في تطبيق الدستور والموازنة بين التوافق والإجماع حيث يقتضي الامر.
ويبدو  واضحاً من حركة الاتصالات الأخيرة،  وعلى الرغم من التباينات الكبيرة التي تفرَق مكونات الحكومة، ان ثمة إجماعا لديها جميعها على إحترام سلام وتثمين إدارته الحكيمة والصبورة لجلسات الحكومة كما للبلاد في ظل غياب رئيس لها. وهذا ما جعل البحث قائما في المخرج الذي يحفظ لسلام موقعه من دون أن يشكل “كسرا” لإرادته بتعديل آلية العمل الحكومي، كما يحفظ للفريق الوزاري المعارض مخرجاً لمعارضته.
ولهذا، غاب الكلام على “الآلية” ليحل محله البحث عن المقاربة أو الضمانات أو التعهدات التي سيلتزمها الوزراء، ومن ورائهم من القوى السياسية التي يمثلون، من أجل عدم تعطيل الحكومة والولوج الى الاستحقاق الرئاسي بالحد الأدنى من التعطيل البناء لتحقيق هذا الهدف.

(النهار)

السابق
بدء محادثات صعبة بين لافروف وكيري في جنيف حول الازمة الاوكرانية
التالي
جريح في انقلاب مركبة على اوتوستراد الاسد