الجبهة الجنوبية ومخاطر تواجد الحرس الثوري الايراني على الحدود الأردنية

تشهد الجبهة الجنوبية في سوريا منذ الشهر الماضي حملة عسكرية ايرانية غير مسبوقة بقيادة الحرس الثوري وحزب الله والميليشيات الشيعية (لواء الفاطميين) الى جانب بعض ما تبقى من قوات الأسد هناك. وقد نقلت التقارير معززة بالصور وجود قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني للاشراف على العمليات التي تتم، وفي هذا بحد ذاته دلالة كبرى على مدى أهمّية هذه الجبهة الان بالنسبة الى ايران.

من المعلوم أنّ الجبهة الجنوبية في سوريا تشكّل عمليا “منطقة عازلة” بين العمليات العسكرية والفوضى الموجودة في سوريا وبين الأردن، وقد استطاعت المملكة بوسائل متعددة ضبط شكل العمليات التي تجري في هذه المنطقة خلال السنتين الماضيتين، ولذلك نرى في الجبهة الجنوبية نموذجا مختلفا تماما عمّا هو موجود في الجبهة الشمالية بالقرب من الحدود من سوريا.

لكنّ هذا النموذج يراد تدميره من قبل ايران والأسد لانه بات يشكل تهديدا خطيرا على النظام السوري ولان هناك دوافع اخرى لايران وحزب الله في التواجد على الحدود مع اسرائيل كما شرحنا في مقال سابق. هذا الوضع يجب ان يخلق حالة من الاستنفار لدى المملكة الأردنية الهاشميّة، اذا ما نجح الايرانيون هناك فستكون التداعيات مدمرة ليس على السوريين فقط وانما على الأردن بشكل أساسي. انهيار الجبهة الجنوبية يعني انّ قوات الحرس الثوري وحزب الله أصبحت على الحدود الاردنية لأوّل مرة مع ما يحمله ذلك من تداعيات وانعكاسات على مختلف الأصعدة.

لنبدأ بالمستوى الانساني، لقد سبق وان شهدت الحدود السورية- الأردنية اشتباكات متقطّعة بين الجيش السوري والجيش الأردني لاسيما مع بدايات الثورة في مسعى من النظام السوري لايقاف تدفق اللاجئين، حيث كان الجيش الاردني مضطرا للرد على مصادر النيران، ومع الزحف البشري الناجم عن عمليات القتل المفتوحة التي مارسها نظام الأسد في تلك المنطقة كما في سائر سوريا، بدأت جحافل المدنيين الهاربين من النيران بالتوجه الى الحدود الأردنية وسرعان ما تحوّل الأردن الى ملجأ لحوالي 1.5 مليون لاجئ سوري، كما تحوّلت مخيمات اللجوء على الحدود الشمالية الى ثاني أكبر مدينة في البلاد بعد العاصمة الأردنية عمّان في وضع على موارد البلاد الشحيحة الطبيعية والمالية، فالأردن يعتبر واحد من أفقر ثلاث دول في العالم لناحية المياه، كما انه يعدّ وفق كلام رئيس الوزراء الأردني الثالث عالميا لناحية العدد الكلي للاجئين والأول عالميا لناحية عدد اللاجئين الموجودين نسبة الى عدد السكان.

انهيار الجبهة الجنوبية يعني انّ من تبقى من المدنيين هناك سيكون مضطرا للدخول الى الأردن مرّة اخرى، منعهم من الدخول سيضع الأردن في وضع حرج اذ سيكون ذلك بمثابة الموافقة على قتلهم على الاقل هكذا سيبدو الأمر اعلاميا، أّما ادخالهم فسيزيد الأوضاع الاردنية الداخلية صعوبة، اذ سيؤدي ذلك حكما الى الضغط على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني الأردني الدقيق في هذه المرحلة.

من الناحية الأمنية، فان خسارة المعارضة السورية هناك وانهيار الجبهة الجنوبية سيعني عمليا القضاء على آخر معاقل كبرى تجمّعات المعارضة المعتدلة، ومعها ستنهار ايضا آلية “التقطير” المتّبعة في تزويد الثوار هناك بالأسلحة كمّا ونوعا، وهذا سيؤدي حتما الى انتشار جماعات اكثر تطرفا تسعى الى الحصول على دعمها المالي والعكسري بشكل مستقل لتسريع عمليات التسليح ما يعني فقدان السيطرة عليها اولا وثانيا تحوّلها الى النموذج الآخر الذي تتوافر لديه مثل هذه الآليات المفتوحة من الدعم المالي والعسكري اي الى “داعش” وعندها سيكون الاردن تحت ضغط أمني شديد، وسيكون من المستحيل منع نقل المعارك الى حدوده وربما في مرحلة لاحقة الى داخله سيما مع تواجد اللاجئين هناك على الحدود.

الأخطر من كل ذلك هو التواجد الايراني نفسه حجما وكمّا على الحدود الأردنية. اذا انهارت الجبهة الجنوبية في سوريا فستتحول بالكامل الى مقر لقوات الحرس الثوري والميليشيات الشيعية. من الواضح كما ذكرنا انّ هناك اهتمام ايراني غير مسبوق بتعزيز تواجده في هذه المنطقة وهذا سيشكل خطرا على الأمن الوطني الأردني وتهديدا مباشرا للأردن.

لقد سبق وان حاولت ايران وحزب الله التلاعب بالأمن الداخلي الأردني مرّة بحجّة القضية الفلسطينية ومرّة بحجّة تحالف الأردن مع الولايات المتّحدة. وقد صدرت تصريحات علنيّة من قبل مسؤوليين عسكريين ايرانيين ومن قبل ممثلي ميليشيات ايران في المنطقة تستهدف الأردن، مرّة للتهديد ومرّة للابتزاز ومرّة للضغط، مع الأخذ بعين الاعتبار ان ميليشيا حزب الله في لبنان والتي يهدد أمينها العام المملكة بشكل مستمر يمتلك صواريخ قادرة نظريا على الوصول الى الأردن.

الموقف الاردني من الملف السوري متوازن نظرا لأوضاعه الحرجة، وتركز عمّان على حل سياسي هناك علما انّ سد أثبت مرارا وتكرارا انّه ليس اهلا بهكذا حلول ولا يفهم الا لغة القوة وفق التجربة التاريخية. الأردن ما زال متخوفا من موضوع تغيير النظام ومن سيحل محلّه، علما انّ بيان جينيف-1 كان قد حلّ هذه الاشكالية، وعدم الالتزام الروسي والايراني هو الذي يعرقل التنفيذ ويمد المحنة، ويجعل الأردن بالتالي في موقف صعب.

ويتعرض الأردن حاليا بموازاة الهجمة الشرسة للمحور الايراني الى ضغوطات اعلامية كبيرة يقودها امين عام حزب الله والاعلام التابع لايران كي لا تحاول السلطات الاردنية ان تبدي اي رد فعل على ما يجري في الجبهة الجنوبية، وتبقى في موقف المتفرج دفاعيا. والحقيقة ان ما يجري هناك من المفترض ان يأخذ كل الاهتمام من الأردن وايضا من دول الخليج نظرا للمخاطر التي تحدثنا عنها.

العام الماضي فقط، قال الجنرال محمد رضا نقدي قائد الباسيج الايراني انّ الباسيج سيكون لها حضور في الاردن كما حصل في لبنان وفلسطين. لا يجب الاستخفاف بهكذا تصريحات، لقد سبق وان القى الأردن القبض في اغسطس/ آب الماضي فقط على خليّة بصلة بحزب الله اللبناني وتم نشر لائحة الاتهام التي تظهر كيفية سعي حزب الله الى تجنيد أردنيين للقيام باعمال اهابية داخل الاردن او من خلالها. لقد حاولت ايران عبر حزب الله في نهاية عام 2011 وبداية عام 2002 ادخال أسلحة وصواريخ الى الا{اضي الفلسطينية عبر الأردن، وقد اكتشف الأردن الموضوع حينها واحيلت القضية الى المحكمة العسكرية. اليوم هناك تصريحات متكررة لخامنئي وللقادة الايرانيين بتسليح الضفّة الغربية وهي تصريحات متكررة منذ العام الماضي.  في آب/اغسطس الماضي أعلن  قائد سلاح الجو في الحرس الثوري العميد امير علي حاجي زاده “سنسرع تسليح الضفة الغربية، وفي يناير 2015 أشار وزير الدفاع الإيراني، حسين دهقان، بأنه سيستفيد من جميع الأوضاع الموجودة لتسليح الضفة الغربية، ولا شك انذ المقصود من مثل هذه التصريحات هو الأردن، ولا يجب التقليل من مخاطر وجود الحرس الثوري وميليشياته على الحدود الاردنية.

ليس من مصلحة الاردن ولا دول الخليج تحوّل الجبهة الجنوبية في سوريا الى فوضى او انهياراها، لان الايراني سيصبح مباشرة على الأبواب، وسيكون من الصعب جدا السيطرة على الوضع حينها، ولذلك فان الدفاع المتقدّم عن أمن الاردن وأمن المملكة العربية السعودية والخليج يجب ان يكون من خلال الجبهة الجنوبية نفسها، عدم السماح بسقوطها لاسيما في هذا التوقيت امر مهمة للغاية ويجب أخذه جدّيا بعين الاعتبار.

(السورية)

 

السابق
بين نصرالله.. وتشرشل
التالي
مقربون من رستم غزالي يؤكدون تعرّضه للضرب والسحل