السيّد الأمين لـ«جنوبية»: «الفردانيّة» حق أقرّه الإسلام كضرورة للتنوّع

مفهوم الفردانية ينصّ على حقّ كل فرد باستقلاله الشخصي. وهو مصطلح شبه مجهول لدى شريحة واسعة من الناس في عالمنا العربي، مع أنّه بات شرطا أساسيا من شروط إقرار الحريّات في المجتمعات الحديثة.. هكذا يشرح سماحة العلامة السيّد محمد حسن الأمين طبيعة هذا المفهوم في حديث لـ"جنوبية"، داعيا إلى جعل "حقّ الفرادة" حقّاً أساسياً من حقوق الانسان، وأنّه حقّ كفله الإسلام ودعا إليه، وينسحب على الحقّ بالاختلاف والتنوّع السياسي.

يرى العلامة المفكّر الاسلامي سماحة السيّد محمد حسن الأمين أنّ الفردانية، أو ّحق الانسان بالفرادة والاستقلال الشخصي بعيدا عن سلطة المجتمع أو سلطة الدولة، باتت حقّا أساسيّا من حقوق المواطنة وحقّ في تقرير المصير وحرية الاعتقاد. وفي اعتقاده أنّ أيّ مراقب لا يستطيع أن يتجاهل دور الفردانيّة في إطلاق الطاقات الخلاقة بشكل يجعل الإنسان أكثر قدرة على الإبداع في ميادين الحياة المختلفة، وأن أي مجتمع لا يستطيع أن يصل إلى الحداثة بشكل كامل دون أن يقوم بتكريس الفردانية.

ويكشف السيّد الأمين في حديثه لـ”جنوبية”: “قبل سنوات عديدة، عندما طرح موضوع “الاستنساخ البيولوجي” واحتمال تطبيقه على الكائنات البشرية، أذكر أنني سُئلت عن هذا الموضوع من مؤسسة غربية تابعة للأمم المتحدة لأقول فيها رأي الدين ورأي الأدب الإنساني، فأجبت على ما أذكر أنّ الاستنساخ بالمعنى الذي شهدناه في تطبيقه على الحيوان، لا يمكن من الناحية الأخلاقية على الأقل أن يكون مقبولاً، لأن الاستنساخ إذا كان يعني نسخ شخصية ما نسخاً كاملاً عن شخصية أخرى فهذا يتناقض مع حق طبيعي من حقوق الإنسان، وقد سميته، أي هذا الحقّ، “بحق الفرادة”. فنحن لا نجد بين مليارات البشر شخصين متماثلين تماثلاً كاملاً، ما يعني أن حكمة لله أن يكون لكل فرد خصائصه وميزاته التي لا تتطابق مع أي فرد آخر. ومحاولة الاستنساخ هي محاولة للاعتداء على هذا الحق الطبيعي للكائن الإنساني. لكنني هنا أودّ الكلام على الفرادة بمعنى آخر مختلف، يتعلّق بوجوب احترام الكائن الفرد بغضّ النظر عن الجماعة، أو بمعنى آخر أنّ الفرد في المجتمعات القديمة، التي كانت تتألّف من القبائل والعصبويات والقوميات الضيّقة، كان الفرد فيها، ممسوح الشخصيّة لا اعتبار له إلاّ بوصفه كائناً في هذه الجماعة منصهراً بها انصهاراً كاملاً. بما يعني أنّ هذه المجتمعات كانت تبني القيم التي تسحق الفرد أمام الجماعة. ومن الملاحظ أن التقدّم الذي حصل في الاجتماع البشري، خصوصاً في دول متقدّمة، بدأ يعيد الاعتبار إلى الفرد، الذي أصبح له كيانه المستقلّ، دون أن يعني ذلك انفكاكه وعزلته عن المجتمع”.

وحول التأصيل الفكري الإسلامي لمسألة الفردانيّة يشرح السيّد الأمين: “أودّ أن أشير إلى حقيقة دينية إسلامية هي حقيقة المسؤولية الفرديّة، وأن أضع لها عنواناً واحداً من عشرات العناوين الصالحة للاستشهاد من داخل القرآن الكريم،منها قوله تعالى: “ولا تزرُ وازرة وزرَ أخرى”، وقوله أنّ “لكل امرئ ما سعى”. بل كل أدبيات الإسلام تركّز على مساحة واسعة لحريّة الفرد داخل المجتمع، لكن بطبيعة الحال فإنّ هذا الحقّ، أي حق الفرد بالشعور باستقلاليته، لا ينفي كونه عضواً في الجماعة التي ينتمي إليها. ومن حكمة ذلك أن تنشيط الفرادة داخل المجتمع هي تنشيط للتنوّع والتعدّد الضروري داخل الجماعة الواحدة. وهي مصدر من مصادر الإبداع الذي يتطلّب في كثير من الأحيان شعور خاص بهذه الكيانية المستقلّة لهذا الفرد، وبالجملة فإن الاجتماع البشري، كما قضت حكمة الله، ليس قطيعاً من الكائنات المتماثلة. من هنا كان الحساب يوم القيامة يتناول كل فرد بذاته. وهذا واضح في قوله تعالى: “من يعمل مثقال ذرّة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرّة شرّا يره”، فالمسؤولية لا تقع على الجماعة بسبب شذوذ الفرد كما لا تقع على الفرد بسبب شذوذ الجماعة”.

ويستطرد السيّد: “انطلاقاً من هذه الرؤية أتوجّه بالدعوة إلى الاجتماع العربي والإسلامي بالعمل على إعادة الاعتبار للفرد كقيمة مستقلّة، وهذا ما سوف يؤدي إلى ارتقاء الاجتماع الإسلامي”.

ويختم السيّد الأمين لافتا إلى أنّ “المجتمع الغربي سبقنا في إدراك حقيقة الفردانيّة وقيمتها. لذلك نجد أن حقوق الفرد في كثير من المجتمعات الغربية المتقدمة لها مكانتها واحترامها بشكل يتميز عن حقوق الفرد في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. ومصدر الأخذ بمبدأ احترام حقوق الفرد ينطلق أساساً من أنّه حقّ طبيعي من حقوق الإنسان بالحرية، دون أن يعني ذلك أن تكون هذه الحريّة متجرّدة من القيود، لكن مع فارق أساسي وهو أنّ تقييد الحريّة في المجتمعات المتقدمة ينطلق من قواعد الحريّة نفسها وليس من خارجها، فيما الحرية داخل مجتمعاتنا بصورة عامة تأتي قيودها من خارج قواعد الحريّة، أي تأتي من السلطة التي تتجاوز حدود صلاحياتها، سواء كانت هذه السلطة سياسية أو قبلية أو حتى دينيّة أحياناً. وبالتالي فإن الفرد يقع تحت وطأة الشعور بالمصادرة، المصادرة من قبل السلطة، والمصادرة من قبل المجتمع، والمصادرة من قبل قيّم وضعتها السلطة دون وجه حقّ. كأنّ الفرد أصبح فرداً من قطيع وليس كائناً مستقلاً في جماعة متنوّعة ومتعدّدة ومتعاونة. لأنّ الفرادة كما أشرنا ليست مصدراً للانقطاع عن الآخر، بل هي حافز مهمّ من حوافز الالتقاء بالآخر اختلافاً واتفاقاً، وبالتالي فهي مصدر من مصادر الحيويّة التي يفتقر إليها مجتمع القطيع، كما هو مصطلح على تسميته، أو المجتمع الذي يصادر حقوق الفرد بحجّة مصلحة الجماعة”.

السابق
الرئيس «هادي»: صنعاء عاصمة محتلة وسنتصدى للحوثيين
التالي
عاصم ترحيني يكتب العراق وقد سحره كما سحر جدّه هاني فحص