ثرثرة صالونات لبنانية: في قتال داعش

في الصالونات السياسية، وهي المكان الوحيد في لبنان التي يشهد نقاشات جدية، ثمة همسٌ متواتر حول الجسر الجوي الذي سارع الاميركيون منذ اشهر الى إقامته مع لبنان والذي لولاه لما تمكن الجيش اللبناني من الصمود والقتال في معركته الحالية مع المسلحين السوريين على جبهات البقاع الشمالي والاوسط.

بعض هذا الكلام الذي يدور على لسان كبار المسؤولين اللبنانيين يقصد الغمز من قناة الفرنسيين الذين وقعوا بعد طول تأمل وتفاوض على صفقات الهبة السعودية، وانتهزوا الفرصة لكي يتقدموا بخطة عملية، لكنها بعيدة المدى، تقضي باعادة بناء تدريجية لألوية كاملة من الجيش اللبناني من نقطة الصفر، بحيث يمحى تماما كل أثر للتسليح والتذخير الاميركي الذي ساد المؤسسة العسكرية اللبنانية منذ ثمانينات القرن الماضي وجعلها شبه خاضعة لمصدر وحيد من السلاح، او على الاقل حرمها من فرص عديدة لتنويع مصادره.

الثابت حتى الان هو ان اميركا التي لا تزال تدرك حاجات لبنان العسكرية اكثر من اي بلد آخر، وتنخرط، من الجو اساساً وعلى الارض احياناً، في الحرب الدائرة مع تنظيم داعش، زودت الجيش اللبناني على عجل بما ينقصه من آليات ومدافع وذخائر لتحصين الخطوط الامامية للجبهة البقاعية ومنع مقاتلي التنظيم من التقدم نحوها.. ووعدت، حسبما نقل الى الصالونات السياسية اللبنانية، بان تستخدم طيران التحالف العربي والدولي الذي  شكلته في الصيف الماضي في الدفاع عن لبنان، اذا ما اخترق الداعشيون بشكل واسع الاراضي اللبنانية. فهذا جزء من تكوين التحالف ومن مهمته التي تشمل جميع بلدان المشرق العربي من دون استثناء.

في الصالونات إياها، يقال ايضاً ان الشحنة الاولى من السلاح الفرنسي لن تصل قبل منتصف الربيع المقبل، في شهر نيسان ابريل كما هو معلن، ولن تدخل الخدمة قبل فصل الصيف، عندما تكتمل مراحل التدريب والتوزيع على وحدات الجيش اللبناني. وهو تقدير مبني على حسابات المصانع والمخازن العسكرية الفرنسية اكثر مما هو مبني على وقائع المعركة الدائرة على الحدود البقاعية مع سوريا، او على تطورات الحرب مع  داعش التي قد تدفع مقاتليه للانتقال من العراق وسوريا في اتجاه الداخل اللبناني، او على تحولات الازمة السورية التي تدنو من منعطفات حاسمة.

معركة الحدود مع سوريا أولوية مطلقة لا تدانيها اي أولويات عسكرية او سياسية اخرى. هذا ما تجزم به مختلف الاشارات الواردة من الخارج، وتستخف بالسؤال اللبناني المعهود عما اذا كانت تلك المعركة، المتصلة بالحرب العالمية على داعش، ستشكل رافعة لاخراج لبنان من مرتبة الدولة الفاشلة الى مكانة الدولة المستقرة، كما في حالات عديدة سابقة، كان فيها المدد العسكري الخارجي مرفقاً بجدول اعمال سياسي للبنان. الرد الاتي من الخارج على هذا السؤال هو بوضوح: الانتصار في هذه المعركة هو الهدف الابرز والاوحد، واي تلميح لبناني الى امكان ان تسفر عن ترقية قائد الجيش الحالي الى رئاسة الجمهورية، هو لغط ولهو، وربما تخريب.

ما جرى بالامس في جرود رأس بعلبك دليل أولي على ان ثمة تحولا جوهرياً في طبيعة الصراع على الحدود الشرقية. ما زال الجيش اللبناني يقاتل على ارضه ويدافع عنها، لكنه اكتسب كما يبدو ثقة اضافية بالنفس ودعماً اضافياً بالسلاح والذخيرة، ما يستبعد المزيد من الانتهاكات لمواقعه من جانب المسلحين السوريين، على نحو ما كان في الاشهر القليلة الماضية.. وما زال يضغط على البلد باسره جراء قضية العسكريين الاسرى، على سبيل المثال.

هي مجرد ثرثرة صالونات، لكنها قد تكون اكثر واقعية من اي كلام سياسي آخر يدور في بيروت، التي يقودها الاميركيون بالتنافس مع الفرنسيين، الى معركة خطرة كان ولا يزال يمكن تفاديها!
(المدن)

السابق
أين إدارة «الجديد» من إسفاف تمام بليق؟
التالي
هكذا تتاجر الاطراف اللبنانية بتضخيم خطر داعش