ملتقى الرسوم المتحركة في القاهرة: نحو فضاء أكثر احترافاً

أخطر ما يمكن أن ينطوي عليه فن الرسوم المتحركة هو حمله بذور الهيمنة الثقافية، فلا يتوقف الإبهار الذي يقدمه عند حدود التسلية بل يحمل ضمن سياقه قِيماً وثقافات وعادات يمكن إذا صيغت ببراعة أن تكون أكثر تأثيراً في النفوس من وسائل أخرى كثيرة.

من أجل هذا تنطلق الدعوات من حين الى آخر بالنظر بعين الجدية إلى هذا النوع من الإبداع الفني في مجتمعاتنا. ويحاول ملتقى الرسوم المتحركة الدولي الذي يَعقد في القاهرة دورته الثامنة أن يتخذ خطوات استباقية في هذا السياق من أجل تشجيع الإبداعات المتعلقة بالرسوم المتحركة بأنواعها المختلفة. استمر الملتقى قرابة أسبوع، عرضت خلاله أكثر من 60 عملاً مصرياً و35 عملاً من دول أخرى، من بينها لبنان وفلسطين والسعودية والإمارات وبولندا وسويسرا.

ومن أبرز المشارَكات في الملتقى، الذي اختتم أمس، المشاركة البولندية بفيلم قصير بعنوان «فاقد الحواس» (2008) من إخراج مارسين واسيلويسكي، وهو حائز الجائزة الأولى ضمن مسابقة الأفلام القصيرة في الملتقى، إضافة إلى شهادة تقدير عن أحسن موسيقى تصويرية. ويبني الفيلم وقائعه في إطار إفتراضي متعرضاً لحالة الوهم التي تتلبسنا عند استخدامنا وسائل التكنولوجيا والتواصل الرقمي. ويدور الفيلم حول رجل يميل إلى البدانة يتحرك هارباً وقد بدت على وجهه علامات الذعر… يقفز الرجل بين البنايات ويخترق الجدران ويعبر الطرق والأحياء. تطارده إمرأة غامضة ذات ملامح قاسية تدفعه إلى الهروب المتواصل بل إلى الجنون أيضاً. وتتزيّن المرأة بعلامات تجارية وأيقونات تشبه علامات التواصل الإجتماعي. وتبدو كواقع افتراضي قد تجسد بالفعل وأصبح حقيقة مادية يمكن لمسها.

أما فيلم «كولكتور» من تأليف السويسري مارسيل هوبي وإخراجه، فيتتبّع في قالب ساخر الرغبات التي لا تنتهي. فنحن نعيش في عالم تسيطر عليه غريزة الإمتلاك إلى حد كبير، وهي غريزة يشبّهها مخرج الفيلم بهواية جمع الفراشات أو العملات. فمستخدمو الإنترنت يسعون إلى جمع أكبر عدد من الصداقات، وقادة الدول يجمعون أكبر ترسانة حربية، وأصحاب الأفكار والأيديولوجيات يسعون إلى جمع أكبر حشد من المؤمنين بأفكارهم، ومفرطو الثراء يسعون دائماً إلى جمع أكبر مقدار من الثروة.

أما الفيلم البولندي «دارلينغ»، وهو فيلم تحريك وحائز جائزة الإبداع التجريبي ومن إخراج إيزابيلا بلوسينسكا، فيناقش فكرة التعامل مع خسارة العلاقة الحميمة وفكرة الاغتراب والعجز واليأس والأمل أيضاً. والشخصية الرئيسية في الفيلم هي امرأة تستيقظ ذات صباح لتكتشف أنها فقدت الذاكرة، ولا تستطيع التعرف حتى على زوجها، لتبدأ التعرف إلى حياتها الجديدة والغريبة في آن واحد، في ضوء ما تتيحه لها تلك الذاكرة المشوشة.

وعلى مستوى الإنتاج التلفزيوني، فاز مسلسل «عجائب القصص في القرآن» بالجائزة الأولى، وهو من إخراج مصطفى الفرماوي وإنتاج شركة المتحدين. بينما حصل على الجائزة الثانية مناصفة مسلسل «خليل الله إبراهيم» من إخراج أحمد محمد حسن وإنتاج شركة «إيه تي إيه»، ومسلسل «بني آدمين عصر التنين». وتدور أحداث الأخير في عصر ما قبل التاريخ داخل مدينة اسمها «حجر حجرجر»، يحكمها شمندر (سعيد طرابيك)، ومعه وزير الداخلية أبو لسعه (عبد الله مشرف)، ورجل الأعمال الذي يحتكر كل شيء في الدولة شفاط (يوسف داود) والذي يستغل خشمولا (أشرف عبدالباقي) المخترع العبقري في مصالحه الخاصة وتحقيق أطماعه. والمسلسل يتألف من 30 حلقة منفصلة متّصلة تناقش العديد من الموضوعات الاجتماعية والسياسية في شكل كوميدي ساخر.

ويعد ملتقى الرسوم المتحركة في شكله الحالي، ورغم غياب التغطية الإعلامية اللازمة لفاعلياته التي استمرت قرابة أسبوع، سابقة يمكن البناء عليها وتطويرها وتكرارها في عواصم عربية أخرى. إذ تحول الملتقى منذ إنطلاقه في عام 2008 من حدث محلي إلى حدث ذي توجه عربي، إلى أن حمل أخيراً صفته الدولية، ليفتح الطريق أمام إبداعات فنانين ينتمون إلى دول أخرى لها باع في مجال الرسوم المتحركة. وهو ما يفيد جميع المهتمين بهذا الفن من أفراد ومؤسسات على حد سواء.

ويأتي ذلك في ظل تراجع التأثير القوي لمسألة التمويل التي كانت دائماً تقف حجر عثرة في طريق فن الرسوم المتحركة العربية. فالتقنيات الحديثة في أساليب التحريك وصناعة الرسوم المتحركة خففت من كلفة هذه الصناعة إلى حد كبير، كما أن ظهور العديد من الكيانات الإعلامية المتحمسة والقادرة على خوض هذه التجارب كان له أثره الواضح في تنامي الاهتمام بفن الرسوم المتحركة وظهور العديد من الأعمال المتميزة في المنطقة العربية أخيراً.

ويتميز الملتقى بانفتاحه على ممارسات متباينة من أعمال مصنوعة على نحو احترافي وغيرها من التجارب والإجتهادات المؤسسية. كما جمع بين الأعمال التجارية والتي عادة ما تكون موجهة إلى الصغار والنشء، والإبداعات التجريبية والموجهة في غالبية الأحيان إلى الكبار، وتتضمن أفكاراً وأطروحات فكرية وثقافية.

(الحياة)

السابق
احكام بالاعدام على ثلاثة اشخاص في البحرين
التالي
واشنطن تحذر من ارتياد المراكز التجاريّة في عمان