حمَّامات صور الرومانية.. تطوّر حضريّ منذ ألفي عام

شكلت الحمَّامات العامة في عهد أباطرة الروم قبل أكثر من ألفي عام، واحدة من عناوين التطور الاجتماعي والحضري في تلك الحقبة، التي تمددت إلى خارج أسوار روما، وحطت رحالها لفترة طويلة من الزمن على الساحل اللبناني.

وإلى جانب المدرجات والملعب الروماني وقوس النصر ومئات الأعمدة والنواويس الحجرية والرخامية والمسرح الكبير وسواها من عظمة الفن المعماري، أنشأ الرومان في عهد الأسرة «السفيرية» المعروفة آنذاك، أكبر الحمَّامات العامة في قلب المدينة الرومانية عند بحر صور الجنوبي، المعروف حالياً بموقع الآثار البحرية.
تضيء أعمال الترميم التي تنفذها المديرية العامة للآثار، ضمن المرحلة الثانية من مشروع الإرث الثقافي الممول من «البنك الدولي»، أكثر فأكثر على نظام هذه الحمَّامات التي تعد الأكبر مساحة عن سائر الحمَّامات التي أنشأها الرومان في لبنان.
ولم يبقَ من تلك الحمَّامات الموجودة في الطرف الشرقي من موقع الآثار، سوى شواهد أقراص الفخار المرصوفة بشكل هندسي، على حمالات حجرية معقودة، كانت تشكل قاعدة للحمَّامات لإبعاد الرطوبة عنها من جهة، واستوائها مع جغرافية الأرض الملازمة لباقي أقسام المدينة من جهة ثانية.
يحافظ الرخام الأبيض المتصدع من عوامل الزمن على نضارته في بقعة تزيد على الخمسين متراً مربعاً، كانت مخصصة لاستراحة المستحمين، بعد الانتهاء من الاستحمام من مرحلتي المياه الساخنة والفاترة.
وتشمل الأعمال في هذا القسم، التي يتولاها فنيون وأثريون، فتح ممرات إلى الحمامات لتصبح سالكة أمام السياح، خصوصاً أن هياكل تلك الحمَّامات، لا سيما أرضها، لا تزال تحتفظ بمتانتها إلى جانب الأقراص الفخارية التي تعطي المكان برمته رهبة وروعة. كانت المياه تصل إلى هذه الحمامات، التي يرجح أنها كانت لعموم الناس ومجانية وتابعة للحكم، عبر القنوات التي تجر المياه إلى مدينة صور من برك رأس العين التي بناها الرومان أيضاً، ويُحَوَّل جزء منها إلى الحمَّامات بواسطة أنابيب فخارية
لا يزال بعضها قائماً، وكانت تصب في خزان كبير إلى جانب الحمَّامات نظراً إلى الحاجة الكبيرة للمياه.
واستخدمت في نظام تسخين المياه آنذاك أفران كبيرة، كانت ترفد بكميات كبيرة من الحطب الذي يجمعه المستعبَدون من قبل أباطرة الروم، ويأتون بهم من مستعمراتهم في أفريقيا على وجه الخصوص.
ودلت هذه الحمَّامات، على حد تعبير مسؤول المواقع الأثرية في الجنوب علي بدوي، على مستوى رفيع من البعد الاجتماعي والحضاري وتطور الامبراطورية الرومانية تماشياً مع متطلبات الحياة.
ورجّح بدوي أن تكون هذه الحمَّامات، وهي الأكبر مساحة في لبنان، حمامات غير مختلطة، وبقيت تعمل إلى ألف سنة خلت.
وأعيد ترميم الحمَّامات الرومانية في صور، التي يوجد حمامات صغيرة مماثلة لها في موقع آثار البص، وكان يستخدمها الفريقان الرياضيان الأزرق والأحمر بعد كل مباراة في الملعب الروماني، في القرن الرابع ميلادي، ومرة أخرى في أعقاب الزلزال الذي ضرب مدينة صور في القرن السادس ميلادي.

(السفير)

 

السابق
الدفاع المدني أخمد حريقًا داخل مخيم للنازحين السوريين
التالي
جثة في صور.. والأسباب عاطفية