المونة البلدية في مرجعيون… بانتظار التسويق

لا يزال أهالي قرى مرجعيون يقيسون الزمن بالمواسم الزراعية. فغالباً ما يستعملون موسم الزيتون أو العريش وغيرهما، كمؤشر زمني بدلاً من الأشهر، وذلك نظراً للعلاقة الوطيدة التي تربط سكان المنطقة بالأرض ومنتوجاتها.
يعتمد أهالي هذه القرى في أكلهم على المنتوجات التي يجنونها من أرضهم، ليس فقط في موسمها، بل على مدار السنة من خلال المونة البلدية.
وتوارثت النساء في مرجعيون حرفة صنع المونة البلدية على أشكالها عن أمهاتهن وجداتهن، مع التجديد والتحديث المتواصل، في هذه الصناعة لتتسع مجالات التموين بهدف تخزين أكبر عدد من المواد الغذائية والحفاظ عليها أطول مدة ممكنة.
وأدت وفرة المحاصيل الزراعية في منطقة مرجعيون إلى توسيع دائرة التصنيع لتتخطى المونة العائلية وتتحول إلى تجارة تتحصل النساء منها على مردود إضافي، في حين يقل تواجد فرص العمل في المنطقة. كما أنه، رغم كل التطور في مجال المواد المصنعة والمعلبة التي احتلت رفوف المحال والمخازن التجارية، يبقى الطعم البلدي مختلفاً.
إضافة إلى النساء العاملات في مجال تصنيع المونة البلدية بغية الربح المادي، هناك العديد من التعاونيات النسائية التي تشكلت في بعض قرى قضاء مرجعيون لتنشط في هذا الميدان. لكن غياب الدعم والتسويق وتصريف الانتاج أفشلها، بعد بضع سنوات، لتبدأ نسائها، كل بمفردها، رحلة البحث عن سوقها الخاصة.
لم يبق من “جمعية أغصان”، التي تشكلت في بلدة دير ميماس من احدى عشر إمراة عام 2006، سوى أسماء حوراني، التي تؤكد أن عدم القدرة على تصريف الانتاج هو السبب الأول في فشل الجمعية وتشتت النساء اللواتي عملن فيها على مدار ثمانية أعوام. عدا عن المردود القليل الذي كان يوزع عليهن والذي لم يكن يكفي أحياناً لتغطية كلفة الإنتاج، خصوصاً أن أسعار المنتوجات تتأثر بمضاربة المنتوجات المعلبة.
وتشير أسماء إلى أن تحضير المنتوجات البلدية وتعليبها ينشط بين أيلول وتشرين الأول، نظراً لأن الثمار التي تنتجها الأرض في هذا الموسم من الفواكه تحديدا، وتستفيد منها أسماء لصنع المربيات والعصائر الطبيعية كعصير التوت الليمون وغيرها من الحمضيات.
للبنة الماعز والكشك البلدي والصعتر الحصة الاكبر من مطبخ أسماء نسبة لأنها الاكثر مبيعاً، إضافة إلى ماء الورد والزهر والمقطرات، وتشير إلى أن المربيات والعصائر تشهد مضاربة قوية مع بضاعة زحلة.
ورغم التعب الذي تتكبده أسماء في تحضير المنتوجات البلدية وضعف المردود المادي الذي تجنيه والذي لا يتجاوز المائتي ألف ليرة شهرياً، يبقى تصريف الإنتاج المهمة الأصعب، خصوصاً أن نساء قرى مرجعيون يحضرن المونة لأنفسهم مما يجعل تصريف الإنتاج في المنطقة شبه مستحيل فينحصر الزبائن بسكان المدينة الذين يترددون إلى دير ميماس والقرى المجاورة الذين يقصدونها مباشرة أو يطلبون منتجاتها من “سوبر ماركت” قريب لمنزلها حيث تحاول تسويق إنتاجها.

لا تأسر أسماء نفسها بتصنيع الرب والمخللات وغيرها، بل تحاول أن تجيب على حاجة السوق فتضيف الكنافة والمعمول على منتجاتها في مواسم الأعياد.
مصير تعاونية ابل السقي للتصنيع التي بدأت عملها عام 2004 يشبه مصير “جمعية أغصان”، إذ أنها لم تقدر على الاستمرار لأكثر من ثمانية سنوات. فصعوبة تصريف الإنتاج شكلت الحاجز الأكبر الذي وقف  في وجه استمراريتها، بالإضافة الى الخسارات المتتالية التي ضربت الإنتاج وأبرزها في حرب تموز عام 2006 التي كان من الصعب تعويضها بحسب “عدلا” احد اعضاء مجلس الادارة في الجمعية المنحلة.
لا تزال عدلا مستمرة في تصنيع المونة البلدية من مخللات، ورب البندورة، ودبس، وغيرها مستفيدة من علاقاتها التي كونتها سابقاً مع أصحاب “سوبر ماركات” في المدينة كما في خارج لبنان لتصرف منتوجاتها مثلا زيت الزيتون الذي يجد سوقاً واسعاً في دول الخليج العربي.
أما ماري التي تعيش في بلدة برج الملوك، لم تكن يوما عضوة في تعاونية نسائية بل ورثت صناعة المونة البلدية عن والدتها فهي متخصصة في صنع المخللات على حد قولها. تعمل ماري ضمن فريق كبير من نساء متخصصات كل في منتج،  لحساب أحد متاجر المونة في المنطقة، وعي تتقاضى منه مبلغا شهريا مقابل عدد محدد من العلب على أن يتولى صاحب المتجر تأمين المواد والماكينات اللازمة لصناعة المخللات. وتؤكد ماري أنها تفضل العمل لحساب شخص على أن تصنع وتبيع هي منتوجاتها نظراً لعدم قدرتها على تسويق البضاعة.

المصدر: السفير

السابق
“الامن الداخلي”: توقيف م.ن. و م.ب. في الدكوانة بجرم المخدرات
التالي
نعيم قاسم: دور المقاومة في مكافحة الإرهاب الصهيوني