مَن يُـمثّل طهران في المفاوضات النووية؟

يروي نائب رئيس مجلس الشوری الإيراني محمد رضا باهنر أنه التقی الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد بعد فوزه في انتخابات 2005، مقترحاً عليه تشكيل حكومة من الجنرالات يستطيعون مساعدته في إدارة البلد، فرد أحمدي نجاد بأنه يريد حكومة جنود مشاة وليس حكومة جنرالات، ولم يكن التيار الأصولي يدرك حقيقة ما يفكر به الرئيس الأصولي أحمدي نجاد، لذلك اعتمد علی شخصيات مغمورة لكنها موالية له ولأفكاره، بتزكية من منظّر الرئاسة الإيرانية آنذاك أسفنديار رحيم مشائي. وفي مقاربة مع خلفه حسن روحاني في هذا الشأن، تبدو الصورة مغايرة كلياً. فالرئيس الذي ولد وترعرع في أحضان التيار المحافظ الأصولي قرر الاعتماد علی النخب والجنرالات ذوي التجربة الميدانية من أجل تنفيذ برنامجه الذي يوصف بالاعتدال، إن علی المستوی الداخلي أو علی صعيد الملفات الخارجية. فالرجل تعهد منذ الحملة الانتخابية الرئاسية، فتح الحوار مع الولايات المتحدة من أجل حل ملف بلاده النووي اعتقاداً منه أن مفاتيح حل هذا الملف ليست بيد الدول الغربية بمقدار ما هي بيد الولايات المتحدة من دون أن يستبعد دور بقية الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي.

وبنظرة سريعة إلى الجولة الأخيرة من المفاوضات النووية التي أجريت في جنيف 20 – 23 شباط (فبراير) الجاري يبدو واضحاً مستوی الجنرالات الذين اختارهم روحاني لقيادة المفاوضات النووية مع الدول الغربية. فقد حرص علی انتخاب محمد جواد ظريف لحقيبة وزارة الخارجية بعدما قرر ترحيل ملف المفاوضات النووية من مجلس الأمن القومي إلی الخارجية وتشكيل فريق مفاوض موزع علی ثلاث دوائر. الدائرة الأولی تضم فريق العمل المباشر «المفاوضون المباشرون» يقوده الوزير محمد جواد ظريف، والدائرة الثانية «الفريق الفني التقني» يقوده مدير منظمة الطاقة النووية الإيرانية علي أكبر صالحي، والدائرة الثالثة وهي من الأعضاء «ذوي العلاقة» بمجلس الأمن القومي يقودهم علي شمخاني.

 عشر شخصيات

– حسن روحاني: يعتبر الرئيس روحاني، كونه رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني، الشخصية التي تدير الدوائر الثلاث، والذي يشرف علی سير المفاوضات مستنداً بذلك إلی الخبرة التي اكتسبها في أمانته لمجلس الأمن القومي (1989 – 2005)، ومن ثم عضواً في المجلس المذكور ومندوباً شخصياً لمرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي حتی عام 2013. وخلال عمل روحاني مديراً لمركز الدراسات الاستراتيجية التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام (2005 – 2013)، عمل علی ربط برامج بحثية مهمة في المركز بالمفاوضات التي كان يقودها أمين مجلس الأمن القومي آنذاك علي لاريجاني ومن بعده سعيد جليلي، حيث تكونت لديه تصورات جديدة لآلية إدارة المفاوضات اكتسبها من خبرته في إدارة المفاوضات مع الترويكا الأوروبية والنتائج التي تمخضت عنها المفاوضات التي قادها لاريجاني وجليلي، وبالتالي فإن روحاني يعتبر من الشخصيات الفريدة من نوعها في إيران التي ارتبطت بالمفاوضات منذ أن سلط الضوء علی البرنامج النووي الإيراني عام 2001 إلى الآن. وخلال قراءة متأنية لكتابه «الأمن القومي والديبلوماسية النووية» الذي ألفه عام 2012، يظهر جلياً مدی إشرافه علی تفاصيل البرنامج النووي الإيراني والمحادثات التي أجراها مع الترويكا الأوروبية، والمقاربات التفصيلية والجزئية التي رسمها مع الدول الغربية في ما يتعلق بالبرنامج والمفاوضات.

– محمد جواد ظريف: جاء اختيار روحاني ظريف لتسلم حقيبة وزارة الخارجية الإيرانية، بعد دراسة متأنية لظروف المفاوضات النووية وإمكانات ظريف وخبرته التي تمتد لأكثر من 30 عاماً قضاها في الخارجية الإيرانية. وكــان من أوائل الشباب المنخــــرطين في سلك وزارة الخارجية بعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، فعمل مستشاراً للقنصلية الإيرانية في سان فرانسيسكو قبل أن يتدرج ليشغل مندوب إيران في منظمة الأمم المتحدة. ويعتبر ظريف الذي حاز الدكتوراه في العلاقات الدولية من الولايات المتحدة، من الشخصيات الإيرانية المختصة بالشأن الأميركي. وينقل القريبون من روحاني أن اختيار ظريف للخارجية لم يأتِ من أجل إعادة صوغ سياسة وزارة الخارجية الإيرانية استناداً إلى رؤية الرئيس روحاني، بمقدار ما كان الهدف قيادته المفاوضات النووية مع الدول الغربية.

– عباس عراقجي: عمد ظريف إلی تشكيل الوفد المفاوض من شخصيات كفوءة داخل وزارة الخارجية، حيث أوكل المفاوضات المباشرة إلی معاون الشؤون القانونية والدولية في الخارجية الإيرانية عباس عراقجي الحاصل علی شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة كنت البريطانية. عمل في الخارجية ابتداء من مركز الدراسات السياسية والدولية التابع للوزارة مروراً بتمثيل إيران كسفير في دول أوروبية وآسيوية، وانتهاء بمنصب معاون الوزير للشؤون القانونية والدولية، ويعتبر من الشخصيات المهنية في الوزارة دون أن ينخرط في أي من الاتجاهات السياسية أو يدخل في أتون الأحزاب السياسية الإيرانية.

– مجيد تخت روانجي: من المقربين لوزير الخارجية جواد ظريف، عمل معه في ممثلية إيران لدی منظمة الأمم المتحدة، حائز شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة برن السويسرية. عمل في الخارجية منذ انتصار الثورة الإسلامية وتسلم مناصب عدة في الوزارة، كرئيس دائرة منظمة الأمم المتحدة وملحق في ممثلية إيران لدی منظمة الأمم المتحدة، وسفير لدی المنظمة المذكورة، إضافة إلی منصب سفير في سويسرا وألمانيا، وانتخبه ظريف ليكون معاون الوزير لشؤون أوروبا وأميركا في الخارجية، إضافة إلی انتخابه لعضوية الفريق المفاوض النووي.

– حميد بعيدي نجاد: أضيف إلی الفريق المفاوض ليشرف علی الخبراء المرتبطين بالمفاوضات. وقد شغل منصب المدير العام لدائرة نزع أسلحة الدمار الشامل والمدير العام للشؤون السياسية والدولية في الخارجية. ويعتبر من المقربين لظريف، عمل معه في ممثلية إيران لدی منظمة الأمم المتحدة، واعتبر من الموظفين المختصين بالشأن النووي وأسلحة الدمار الشامل وله مؤلفات ومقالات في هذا الشأن.

– حسين فريدون: لم يتم التركيز كثيراً علی دور حسين فريدون شقيق الرئيس روحاني الذي يحتل منصب كبير المستشارين والمبعوث الخاص لروحاني في المفاوضات النووية، لكنه شارك مرتين، الأولی في جولة المفاوضات التي في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي في فيينا، والتي لم يتوصل فيها الجانبان الإيراني والغربي إلى الاتفاق الذي كان مقرراً له أن يتم في ذلك التاريخ، والثانية في الجولة الأخيرة التي تمت في جنيف في 20 من الشهر الجاري. وفي الحالين كانت مشاركته من أجل تسهيل التوصل إلى الاتفاق، والعمل علی تذليل العقبات التي تحول دون ذلك باعتباره مبعوثاً خاصاً للرئيس روحاني، إضافة إلی إعطاء الجانب الغربي صورة عن اهتمام الحكومة الإيرانية بتفاصيل المفاوضات وحرصها علی تذليل المشاكل العالقة. التحق بوزارة الخارجية أثناء الحرب العراقية – الإيرانية وعمل سفيراً لدی ماليزيا لمدة ثماني سنوات قبل أن يلتحق بمركز الدراسات الاستراتيجية كمستشار لرئيس المركز. ويعتبر فريدون مهندس الاتصال الهاتفي الذي تم بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والإيراني حسن روحاني عام 2014، خلال زيارة الأخير نيويورك «للمشاركة» في اجتماع منظمة الأمم المتحدة. وعلی رغم أن البعض يعتقد بإمكانات فريدون المتواضعة في العمل السياسي، إلا أن قربه من الرئاسة الإيرانية يعطيه مكانة خاصة في المفاوضات النووية.

– علي أكبر صالحي: هو الحاصل علی الدكتوراه في الفيزياء النووية من إحدی الجامعات الأميركية يعتبر من العلماء النوويين الإيرانيين، إذ دخل العمل في البرنامج النووي الإيراني عام 1975 مع تأسيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية، وبداية البرنامج النووي الإيراني. وإضافة إلی تسلمه وزارة الخارجية الإيرانية (2011 – 2014) كان يشغل مندوباً لبلاده في الوكالة الدولية للطاقة النووية (1998 – 2003)، ومعاوناً لأمين منظمة التعاون الإسلامي (2005 – 2009)، إضافة إلی رئاسته منظمة الطاقة النووية الإيرانية. ويرأس صالحي الفريق الفني النووي الذي يشارك في المفاوضات النووية، كما أنه مهتم بتنفيذ التوافقات والتفاهمات التــي تمت بين إيران والدول الغربية في شأن البرنامج النووي الإيراني، وكانت مشاركته في الجولة الأخيرة من المفاوضات إلی جانــــب نظيره وزير الطاقة الأميركي إرنســت مونيز مؤشراً إلی ضلوعه فـــي تفاصيل المفاوضات.

– علي شمخاني: إلی جانب الفريق الفني والفريق المفاوض هناك شخصيات إيرانية بارزة تساهم في صناعة القرار كرئيس مجلس الأمن القومي علي شمخاني الذي يقود مجموعة من الشخصيات ذات العلاقة بالملف النووي. يعتبر شمخاني من الشخصيات المهمة في الحرس الثوري. شارك في الحرب العراقية الإيرانية، وتدرج في مسؤولياته حتی وصل إلی قيادة القوة البحرية الإيرانية قبل أن يرشحه الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي لتسلم حقيبة وزارة الدفاع (1997 – 2005). وعلی رغم جذور شمخاني السياسية التي تنتمي إلى الحرس الثوري لكونه من المؤسسين لهذه المؤسسة، إلا أنه معتدل في مواقفه السياسية ومقرب من المرشد الأعلى الذي اختاره لعضوية اللجنة الاستراتيجية للعلاقات الخارجية التابعة لمكتب المرشد. في الوقت الذي يشغل منصب مندوب وسكرتير مجلس الأمن القومي الذي يرأسه روحاني.

– علي لاريجاني: الحائز شهادة الدكتوراه في الفلسفة يعتبر من الشخصيات القريبة من المفاوضات النووية، حيث يحتفظ بعلاقات جيدة مع روحاني. وقد تسلم مهام سكرتارية مجلس الأمن القومي خلفاً لروحاني بعد فوز الرئيس أحمدي نجاد بالرئاسة عام 2005، إلا أنه اضطر لترك المنصب بعدما عزله نجاد بسبب انتقاداته المتكررة للنهج الذي كان يؤكده نجاد في المفاوضات النووية. لكن قيادته المفاوضات مع الترويكا الأوروبية التي كان يقودها آنذاك منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا أكسبته خبرة أجبرت الرئيس روحاني على عدم الاستغناء عنه وزجه في مشاوراته في شأن المفاوضات التي يقودها مع الدول الغربية. ويمتاز لاريجاني بمواصفات عدة، أولاً أنه قريب من المرشد، وثانياً رئاسته مجلس الشوری، وثالثاً خبرته في قيادة المفاوضات النووية السابقة.

– علي اكبر ولايتي: علی رغم أن ولايتي دخل الانتخابات الرئاسية الإيرانية السابقة منافساً للرئيس حسن روحاني، إلا أن علاقة الرجلين كانت جيدة، وأن انتخابه لرئاسة مركز الدراسات الاستراتيجية خلفاً لروحاني دليل آخر علی التعاون والتنسيق بينهما. ويعتبر ولايتي المختص بأمراض الأطفال من إحدی الجامعات الأميركية، من الشخصيات السياسية العريقة التي شغلت منصب وزارة الخارجية (1982 – 1998) وأدار علاقات إيران الخارجية في الحرب العراقية – الإيرانية وما بعدها حين عمل وزيراً للخارجية مع مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي عندما كان رئيساً للجمهورية (1982 – 1988)، كما عمل وزيراً للخارجية في حكومة هاشمي رفسنجاني (1988 – 1998)، إضافة إلی عمله كمستشار للمرشد للشؤون الدولية منذ عام 1998. هذه السنوات الطوال جعلته يكتسب خبرة عملية في العلاقات الدولية ويكسب ثقة المرشد وبقية الشخصيات المعتدلة كروحاني. ويعتبر ولايتي من الشخصيات المدافعة عن برنامج روحاني في المفاوضات النووية. كما أنه من المؤسسين للمفاوضات النووية التي بدأها روحاني، إذ تنقل المصادر أنه مهندس المفاوضات مع الجانب الأميركي بوساطة عمانية أجريت في مسقط قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2013. على ذلك، لا يعتبر ولايتي من المتطفلين علی المفاوضات النووية، بل هو من وضع لبناتها الأولی.

– المرشد خامنئي: لا يمكن إنكار الدور الذي يقوم به مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي في وضع الخطوط العريضة أو ما يسمی في إيران بـ «الخطوط الحمر». وربما يعطی له دور تصحيح بوصلة المفاوضات كما فعل عندما رفض أن يكون الاتفاق النووي علی مرحلتين. فخامنئي، وإن كان مرجعاً دينياً إضافة إلی منصبه «الولي الفقيه»، إلا أنه مارس عضوية مجلس الشوری في المجلس الأول الذي انتخب في إيران وانتخب رئيساً للجمهورية عام 1982، قبل أن ينتخب «الولي الفقيه» من مجلس خبراء القيادة بعد رحيل الإمام الخميني عام 1988. هذه المناصب جعلته ليس مرجعاً دينياً فحسب، وإنما رجل دولة تفوّق فيها علی سلفه الإمام الخميني في الإشراف علی إدارة البلد في ظروف حساسة. وبذلك لم يكن غريباً أن يمسك بالمفاصل الأساسية للمفاوضات النووية.

(الحياة)

السابق
عن بشير هلال
التالي
الهيئات الإسلامية تقاطع العشاء السنوي للمؤسسات اليهودية