ديكرشوف: أوروبا ملتزمة تحصين لبنان ضدّ «صدمات» الإرهاب

وافق لبنان الأمني والقضائي على الانخراط أكثر فأكثر في الاستراتيجية الأوروبية لمكافحة الإرهاب والتي تضع نصب عينيها مطاردة المقاتلين الأجانب (الأوروبيين) الذين يتدفّقون من حوالي 12 بلدا أوروبيا للقتال في سوريا والعراق، وقد بلغ عددهم نحو 4 آلاف مقاتل بحسب ما كشف أمس المنسّق الخاص لشؤون مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي جيل ديكرشوف في جلسة صحافيّة في فندق «فينيسيا» أعقبت مشاركته على رأس وفد أوروبي في يوم طويل من الاجتماعات مع رؤساء الأجهزة الأمنية والقضائية اللبنانية، وآخرهم اللواء عباس ابراهيم في ساعة متأخرة من ليل أمس.

ومتأخرا عن موعد الجلسة الصحافية قرابة الساعة، اعترف ديكرشوف بأن وفده التقى أحد مسؤولي «حزب الله» (السيد عمار الموسوي) لكنّ المسؤول الأمني الأوروبي البارز رفض الخوض في تفاصيل هذا اللقاء واضعا إياه في خانة «منتهى السّرية».
دي كرشوف المولج بتنفيذ القرارات الأوروبية لمكافحة الإرهاب في الدول الأوروبية والتنسيق في هذا المجال مع الخارج، حمل معه من واشنطن حيث شارك في اجتماع أمني ترأسه وزير الخارجية جون كيري مواضيع جديدة تلزم الدول المعنية التي يطالها الإرهابيون مباشرة، كسوريا والعراق أو التي تعتبر بلدان «ترانزيت» لهؤلاء الى جبهات القتال، معلناً أنّ الدّعم الأوروبي والدولي سيكون أقوى للبنان والأردن البلدان الأكثر هشاشة والأشد استهدافا من قبل «داعش» الذي يحاول زرع بذور التوتّر والزعزعة فيهما.
لكنّ دي كرشوف كان متفائلا بإخفاقات «داعش» ومنها في عين عرب، ووجد من يذكّره من قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية بأنّ لبنان هو أحد إخفاقات «داعش» بفضل صمود جيشه وعمل أجهزته الأمنية المتواصل واليومي، وقد تدخّلت رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي في بيروت أنجيلينا إيخهورست للقول إنّ الأجهزة اللبنانية حصدت نتائج جمّة في مجال مكافحة الإرهاب معظمها لم يُفصح عنه.
الأمن والقضاء العدلي
قراران صدرا عن مجلس الأمن الدولي، أحدهما قديم هو القرار 2178 وثانيهما حديث هو القرار 2129 سيلزمان لبنان اتخاذ إجراءات جديدة في ما يخص الأمن والقضاء، بالإضافة الى مقررات مجلس الشؤون الخارجية الأوروبي الذي انعقد في 9 الجاري ثم اجتماع رؤساء الحكومة الأوروبيين في 12 الجاري اللذين قضيا بتمتين شراكة الاتحاد الأوروبي داخليا ومع دول الجوار المتوسطي من أجل مكافحة الإرهاب، وقد قرر هؤلاء مجتمعين دعم لبنان لكي يتحمّل «الصدمات» التي تأتيه جراء النزاع السوري.

بناءً عليه جاء اجتماع أمس الذي عدد دي كرشوف مواضيعه على الشكل الآتي:
حماية السجون اللبنانية من التطرّف وإعادة تأهيل المساجين، محاربة «داعش» في الإعلام وعبر وسائل التواصل الاجتماعيّ عبر بثّ رسائل مضادّة لها تبرز تضليلها، استهداف الشباب والمجتمع المدني لفضح أيّة عناصر إرهابية محتملة، العمل مع القضاة والقانونيين بغية تعديل القوانين الجنائية بحسب القرار 2178 الذي يطلب من الأنظمة القضائية في البلدان المعنية إدخال تعديلات بغية ملاحقة الإرهابيين ومحاكمتهم، ومن شأن هذه التعديلات أن تساعد القضاة اللبنانيين في إدارة الملفات المتعلقة بالإرهاب، فضلا عن حماية الحدود «التي نعمل في شأنها عملاً وثيقاً مع الأمن العام اللبناني ومع الجمارك وخصوصا في مطار بيروت (بدأ المطار باعتماد نظام Advanced passenger information المتعلّق ببيانات المسافرين المتقدّم).
وتشمل الاجراءات الحدود الأرضية في مسعى يدعم خطوات البريطانيين الذين يسهمون بذلك «من حدود الشمال الى الشرق» كما قال ديكرشوف. بالإضافة الى التنسيق الوطيد مع مختلف أجهزة الاستخبارات والشرطة وبين «يوروبول» في شأن تبادل المعلومات.
«النصرة» تريد تفجير طائرات!
وتطرّق المجتمعون الأوروبيون واللبنانيون أمس الى عملية ضبط تمويل الإرهاب تنفيذا للقرار الجديد الرقم 2129 الذي يفرض إلزامات على الدولة تمنع تهريب البترول والآثار أو دفع الفديات للإرهابيين، وتمنع وصول هبات من الخارج الى جهات تسهّل سلوك الأجانب الى جبهات القتال. وتطرق البحث الى موضوع أمن الطيران حيث يتوجّس الأوروبيون خصوصا من «جبهة النّصرة» المرتبطة إيديولوجيا بمنظمّة «القاعدة» في سوريا بحيث تحاول العثور على مقاتلين أوروبيين يحملون وثائق سفر شرعيّة للقيام بتفجير طائرات آتية من أوروبا.
يقول ديكرشوف إن الاتحاد الأوروبي بمؤسساته المختلفة يحاول «مساعدة لبنان لتحسين قدراته في هذه المجالات، ولبنان بالأصل شريك في مكافحة الإرهاب عبر علاقاته مع الوكالات الأوروبية المعنية وهي «سيبول» و «يوروبول» و «يوروجوست» وهذه الوكالات ستطوّر العلاقة مع لبنان عبر تكثيف تبادل المعلومات والخبرات»(…)
وعمّا إذا كانت الملاحقة الأوروبية للمقاتلين الأجانب تستهدف من يقصدون سوريا ايضا أم أنها محصورة بالمقاتلين العائدين الى بلدانهم قال دي كرشوف: «أتابع هذا الملف منذ العام 2013 وقد تمّ وضع تدابير لمنع هؤلاء من الخروج من البلدان المعنية للقتال وإيجاد العلاجات اللازمة لهم حين يعودون. لكننا أحيانا لا ننجح، من هنا نعتمد حاليا الرصد المسبق، وهو أمر جدّي يتمّ العمل عليه بشكل ممنهج، سواء مع السلطات المحلية أو مع الأهل».
وروى ديكرشوف واقعة سمعها في الأسبوع الفائت في واشنطن من رئيس بلدية روتردام (هولندا) وهو مغربي تحدث فيها عن نجاح تجربة تعاون بين الدولة والسلطة المحلية في روتردام أسفرت عن وضع استراتيجية لبناء ثقة مع الجالية المسلمة هناك من أجل الإبلاغ عن أية حالات مشتبه بها عبر خطوط خضراء بدأت تشتغل بانتظام.
ولفت الانتباه الى أن أعمال الرصد والمكافحة تتمّ عبر رصد المراهقين الذين يعزلون أنفسهم أو يغرقون في إيديولوجيات مضللة مخالفة لتعاليم الإسلام. «وفي هذه الحالة يتم التعاون مع خبراء وأشخاص مهمتهم وضع استراتيجيات تنقض هذه الإيديولوجيا الهدامة وتبرهن أنها تتناقض مع تعاليم الإسلام».
وأشار ديكرشوف الى أن الحل «ليس سحريا ولكنّ ثمة خططاً في هذا المجال منها في فرنسا وهولندا حيث جرت محاولة لاستخدام سلفيين سلميين يعملون على نقض أفكار السلفية العنيفة… وهي تجربة في بداية الطريق».
«حزب الله» والتعاون مع الأسد
وعن إمكان التعاون مع «حزب الله» والنظام السوري في مجال مكافحة الإرهاب قال ديكرشوف:» بالنسبة الى «حزب الله» فقد أدرج الاتحاد الأوروبي جناحه العسكري على لائحة المنظمات الإرهابية بعد قضية تفجير حافلة بورغاس (بلغاريا)، لكن أي جديد في هذا الشأن لا يتعلق بنا بل بالسياسة الخارجية للدول الأوروبية التي تقودها السيدة فيديريكا موغيريني، أما نظام (بشار) الأسد فنحن لا نتعاون معه لا استخباريا ولا أمنيا ولا عبر الشرطة ولا بأي شكل من الأشكال».
وسئل ديكرشوف عن تهديدات «داعش» المستمرة بأنه يريد إنشاء خلافة في لبنان فقال: «لا معلومات لدي بهذا الخصوص، لكن أعتقد أن «داعش» الشام يريد زعزعة الاستقرار في لبنان والأردن والسعودية، وبالتالي فإن الاتحاد الأوروبي يسهم في منع ذلك عبر استراتيجيته ضدّ هذا التنظيم، ونحن متنبّهون الى ضرورة مساعدة لبنان والأردن الأكثر هشاشة ثمّ تركيا بغية تقوية دورهم في صدّ أي محاولة زعزعة لاستقرارهم، وهنا أيضا تندرج مساعداتنا في ملفّ النازحين (…)».

(السفير)

 

السابق
إسرائيل ترصد «الأخطار الاستراتيجية» : طريق مسدود على الجبهات كافة
التالي
بو صعب من طهران: لتطوير التعاون العلمي والتقني