«Birdman» حصد الأوسكار.. وهوليوود تعترف بحاجتها لسينما مغايرة

كما لو أنّ السينما الأميركية تعترف بأخطائها، وتقرّ بأنّها تفتقر إلى الخيال الحقيقي، وتغرق في أفلام العنف والمطاردات المملّة والتي باتت تكرّر نفسها وتجترّ قديمها وجديدها إلى درجة الضجر.

فأن ينال فيلم “بيردمان Birdman”، أي “الرجل الطير”، أربع جوائز هي الأهمّ، فهذا يعني أنّ الفيلم قدّم اقتراحاً جديداً لنوع سينمائيّ جديد. فإلى جانب “أفضل فيلم”، حصد جائزة “أفضل إخراج”، و”أفضل إنجاز في السينما”، و”أفضل سيناريو”، ذاك الذي كتبه المخرج المكسيكي نفسه، أليخاندرو غونزاليس إينارتو، مع ثلاثة من أصدقائه المكسيكيين، هم نيكولاس جياكوبون، وأليكساندر دينيلاريس، وأرماندو بو.

ما يعني أن الجوائز كرّسته “الفيلم الأفضل”، كتابة وإخراجاً وصورة وإنجازاً سينمائياً. ونيله جائزتي “أفضل فيلم” و”أفضل إخراج” غيّر ثابتة في السنوات الأخيرة، هي عدم إعطاء الجائزتين لفيلم واحد، فنالهما شخص واحد عن فيلم واحد، هو إينارتو.

يروي الفيلم قصّة ممثّل (قام بدور البطولة مايكل كيتون الذي لم يحصل على جائزة أفضل ممثّل بعد ترشّحه لنيلها). الممثّل في الفيلم اشتهر سابقاً في دور بطل خارق هو “بيردمان Birdman”، خلال شبابه. وفي عقده السادس يصارع من أجل نيل “اعتراف” رفيع بأنّه ممثّل وليس مجرّد بطل أفلام شعبية خرافية لا يتذكّرها أحد حين يأتي الحديث عن “العظماء”.

الفيلم هو عبارة عن سخرية مستمرّة من حكايات النجاح الهوليودية، ومن أوهام الشهرة وضرائبها الكبيرة. وأكثر ما يميّزه هو سخريته من أفلام العنف التي ميّزت هوليوود، في مشاهد “مكرّرة”، إذ يروح “ضمير بيردمان”، الباقي من مرحلة شهرة الممثل في سلسلة أفلام من الخيال العنفي، يقنعه بأنّ الناس “يريدون التشويق والمغامرة ولا يريدون ممثلاً يحدّثهم عن الحبّ والأفكار”. وهنا يصوّر المخرج مشاهد طير خارق وعملاق يحطّم الأبنية فيما “الأبطال” يهزمونه على طريقة أفلام “رامبو” الذي يهزم أيّ خطر وينتصر دائماً في النهاية.

“بيردمان” فيلم عن الأفلام، يحاكمها بعين “خارجية”، هي عين الكاتب والمخرج المكسيكي الذي لم يوفّر “منصّة الأوسكار” ليوجّه رسائل سياسية إلى بلده الأم وإلى “أميركا”. فإذ أهدى إينارتو الجائزة “إلى المكسيكيين في المكسيك، وإلى المهاجرين المكسيكيين في الولايات المتحدة الأميركية”، دعاهم إلى “بناء الحكومة التي يستحقّون”، ودعا أميركا إلى “احترام المهاجرين المكسيكيين، القدامى والجدد، لأنّهم ساهموا في بناء أعظم أمّة مهاجرين في العالم”، هي الولايات المتحدة الأميركية.
“أن ينال فيلم “بيردمان Birdman”، أي “الرجل الطير”، أربع جوائز هي الأهمّ، فهذا يعني أنّ الفيلم قدّم اقتراحاً جديداً لنوع سينمائيّ جديد

“وقال إينارتو ساخراً من فوز مكسيكيين بجواز أوسكار: “ربما السنة الآتية الحكومة الأميركية قد تنظّم قوانين الهجرة وعلاقتها بجائزة الأوسكار، لأنّ فوز مكسيكيين أمر مثير للشبهات”. في رسالة مبطّنة ضدّ قوانين “الهجرة” الظالمة في الولايات المتحدة. وكان قد سبقه إلى التلميح لها الممثل شون بن الذي أعلن عن فوز إينارتو بأوسكار أفضل فيلم، إذ قال: “من الذي أعطى ابن العاهرة هذا بطاقة الإقامة الخصراء Green Card؟”.

وكما أسلفنا في تقرير سابق فإنّ الفيلم يعبّر عن أنّه “بهذه الكوميديا السوداء تسخر هوليوود من نفسها، وتنظّف نفسها إذ تُقدِم هي نفسها، وليس أيّ أحد آخر، على السخرية من نفسها. لكنّها بهذا تنظّف نفسها من الداخل. تغسل عار خوارقها السطحية وأفلامها التجارية العابرة، بأن تقدّم فيلماً من وزن “بيردمان Birdman” ينتقد “روح” هوليوود، فيعطيها روحاً إضافية من خلال هذا النقد”.

وهو “فيلم عن التناقضات بين أضواء الخلود التي يريدها البطل، في نهاية حياته، بدل أضواء الشهرة العابرة، وأضواء المجد الأبديّ بدل أضواء التصفيق الشعبي، وأضواء المسرح، برودواي، بدل أضواء هوليوود. فيلم عميقٌ واستثنائيّ في زحمة الأفلام التجارية التي تملأ هذا العالم”.

ولهذه الأسباب أعطته السينما أربعاً من أهمّ جوائزها السنوية، في تكريم لـ “سينما مغايرة” و”مختلفة”، علّنا نراها أكثر في السنوات الآتية.

المصدر: العربي الجديد

السابق
ريفي:اذا طلب من سماحة للشهادة امام المحكمة الخاصة بلبنان لن نتردد
التالي
رسالة من مقاوم الى السيد حسن: نحتاج وطنا.. وليس انتصارات