14 آذار 2015: محاولة «لمّ الشمل»

لن يشبه يوم 14 آذار هذا العام، أخواته الذين مرّوا خلال 9 سنوات سالفة. يريد «الآذاريون» أن تكون الذكرى العاشرة لثورتهم مختلفة هذه السنة. الاختلاف لن يكون بالشكل وإنّما بالمضمون. مبدئياً، سيكون الاحتفال، كما كلّ عام، في «البيال» حيث ستكون الكلمات لأطياف «14 آذار» واستعادة لصور «انتفاضة الـ2005».

ولكنّ «الآذاريين» يريدون هذا العام أن يكون المضمون مميزاً. هم يحاولون بكلّ ما أوتوا من قوّة أن يقرأوا كلّ الأحداث التي تلت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وإعادة ضخّ الدمّ داخل «الرجل المريض»، أو أقلّه إنعاش «ثورة الأرز» التي أضحت خافتة.
أسباب اضمحلال الثورة، كثيرة. وقد يكون منهــا عدم قدرة قياداتها على تحقيق الأهداف التي رسموها في الأيّام التي تلــت يوم 14 آذار (إسقاط إميل لحود مثلاً وعدم انسحاب حزب الله من ســوريا)، بالإضافة إلى عدم تكليف أنفسهم عناء صياغة إستراتيجيّة جديدة لمواكبة التطوّرات.
توقّف الزمن عند «الآذاريين» في «البريستول». لا «البريستول» فتح أبوابه، بسبب عدم انتهاء عمليّة إعادة الترميم.. ولا «البريستوليين» قاموا بـ «تنقيح أنفسهم» أو توحيد رؤيتهــم تحــت سقف فندق جديد..
ها هو سعد الحريري يعود إلى بيروت بعد أعوام كاملة من العيش في منفاه الطوعي. وها هو حزب «الكتائب» يغرّد في سرب تمايزه عن «الرفاق». أمّا حزب «القوّات اللبنانية» فيســتمرّ في السباحة بحثاً عن «طوق بعبدا».
وإذا كان «الدفّ انفخت» وتفرّق العشّاق، فإن «الآذاريين» لم يستسلموا لاستقبال «شيخوخة ثورتهم» عن عمرٍ يقلّ عن الـ10 سنوات، إذ أن «مطبخ الأمانة العامة» بدأ بتحضير وصفة تقي «14 آذار» من «داء العجز»، بعد أن خرج بها «الحكيم» فارس سعيد بنفسه.
وبعد نقاشات مطوّلة بقيت بين «الجدران الأربعة»، وصل إلى بريد «14 آذار» ورقة تلخّص بترتيب زمني أهمّ الأحداث من 14 شباط وحتى اليوم في لبنان والوطن العربي. الـ «كرونولوجي» الممهورة بـ «ختم الأمانة» لم ترفق بقراءة سياسيّة لهذه المفاصل السياسيّة والأمنيّة، إذ أنّ القراءة ستكون ملك ورشة العمل التي ستضمّ قيادات وأطياف «انتفاضة الاستقلال» تحت عنوان: «العودة إلى الدولة»، أو ما يشابهها من شعار…
يشرح سعيد هدف ورشة العمل، ويشير لـ «السفير» إلى أنّها تنقسم على ثلاثة مراحل:
الأولى، «ترتيب الذاكرة»: وهي إعادة استعراض كلّ الأحداث من دون تعليق (الورقة التي أرسلت).
الثانية، القراءة السياسية: الأحداث التي واكبت وتلت «ثورة الأرز» على الساحة المحليّة والعربيّة والدوليّة، وإعادة قراءة تجربة الـ10 سنوات الماضية وكيف يمكن توحيد القراءة السياسيّة داخل «14 آذار» لجميع هذه الأحداث المفصليّة، ولاسيّما بعد قيام الثورات العربيّة.
المرحلة الثالثة، الخطوات السياسية: فبعد إعادة تقييم تجربة «14 آذار» والنقد الذاتي واستخلاص الدروس من كلّ الذي حصل، لا بدّ من برنامج عمل للانطلاق مجدداً على قواعد القراءة الجديدة وثوابت «الانتفاضة».
إذاً، «14 آذار» تريد أن تجدّد شبابها بـ «بريستول 2» باجتماعات محصورة بين القيادات. وسيقرأ هؤلاء «مزامير» الإستراتيجيّة الجديدة على العلن خلال الاحتفال المركزي. الهدف واضح: تنشيط الأفكار الذي يؤدي حكماً إلى تنشيط الالتزام، ما يعيد إليها «أمجادها الغابرة» بعد سلسلة الضربات التي تلقّتها خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى قراءة الأوضاع المحيطة بعد أن شعر «أولياء أمرها» أن هناك مرحلة انتقالية تمرّ بها المنطقة عنوانها إســقاط الحدود والإرهاب والفتنة السنية – الشيعيّة.
ويشير عضو المكتب السياسي لـ «تيار المستقبل» وعضو «الأمانة العامة» راشد فايد إلى أنّ برنامج العمل الواضح لـ «14 آذار» يعني حكماً التزام الناس، على اعتبار أن جمهور «14 آذار» ليس جمهوراً حزبياً – عقيدياً وليس لهم قائد أوحد، بل إن الجمهور يتجاوب مع القيادة ويصبح أكثر التصاقاً بها، عندما تعمل الأخيرة على تلبية أهداف الجمهور ومطالبه.
ولا يستبعد فايد أن تتوصل «14 آذار» مجتمعةً إلى قراءة موحدة للأحداث، لأن «لا تنافر بين هذه القوى والعنوان واضح بينهم، بالرغم من الوقوف عند بعض التفاصيل».
والفكرة، كما يقول سعيد، ليست حديثة العهد وإنما طرحت جدياً منذ أكثر من ثلاثة أشهر ولا تزال في إطار التداول، غير أنّ الأمانة العامة تحاول أن تدخلها قيد التنفيذ يوم 14 آذار الجاري، بعد نقاشات غير معلنة جرت في مقر «الأشرفيّة» بين أعضاء الأمانة العامّة، ثم قام هؤلاء بطرحها على مستوى قياداتهم العليا.
كما بدأ سعيد بجولة لقاءات تمهيديّة مع قيادات الأحزاب المنضوية داخل «14 آذار» بغية بلورة الأفكار والخروج بصيغة موحّدة. وأوّل الغيث كان لقاء منسّق الأمانة العامة، منذ يومين، مع الرئيس الحريري، وإن كان اللقاء لم يدخل في تفاصيل «الورشة الآذاريّة»، وفق ما يقول سعيد.
في حين يؤكّد فايد أن الحريري متحمس لـ «الورشة التقويميّة»، وسيشارك بها حتماً إن كان ما زال موجوداً في بيروت خلال هذه الفترة.
وبالرغم من أن «الآذاريين» يتطلّعون بـ «عين الأمل» إلى الـ «بريستول 2»، إلّا أن سعيد لا يبدو أنّه يحمل في «جعبة ورشته» أي جديد غير القراءة السياسيّة والنقد الذاتي، الذي على الأرجح سيبدأ من «التحالف الرباعي»، بحيث سيجدّد «المستقبل» تبريره بأنّه أتى نتيجة اقتناع لفتح الباب أمام «حزب الله» للمشاركة في بناء الدولة. وربّما ينتهي النقد بالحوار بين «المستقبل» و «حزب الله».
أمّا عن الخطوات السياسيّة، فيبدو أنّها لن ترتّب على «14 آذار» صيغة عمل جديدة، وإنما سيكون الجزء الأهم منها هو نداء موجه إلى «حزب الله» لعدم فرض رؤيته الأحادية والتمسك بمفاصل الدولة والعودة إلى لبنان، بحسب ما يوحي سعيد، الذي يؤكّد أن «14 آذار» مؤتمنة على لبنان الفريد في محيطه بتنوّعه والعيش المشترك والمشاركة الإسلامية – المسيحيّة والمشاركة السنية – الشيعية في السلطة.
ومن يتمعّن أكثر في «نفضة 14 آذار» يكتشف أنّها ثمرة «خوف مسيحي» مما يجري في المنطقة، والعمل على إستراتيجية تحمي العيش المشترك بالتمسك بالدولة و «ثورة الأرز»، أكثر من كونها فكرة جديّة لمحو «التجاعيد» التي أصابت «14 آذار».

(السفير)

 

السابق
من هو سليمان شاه الذي نقلت تركيا رفاته من سوريا؟
التالي
بري : الرئاسة في الجلسة السابعة.. وبكركي: الحكومة لتصريف الأعمال فقط