البنات والشرف سينمائياً

في فيلم “الحرام”(1956)، تتعرض البطلة عزيزة (فاتن حمامة) لإغتصاب وهي في طريقها للبحث عن بطاطا لزوجها المقعد والعاجز جنسيا. تحمل من المغتصب، وعندما يأتي المخاض، تحاول إسكات بكاء وليدها، منعاً للفضيحة، فتخنقه من دون قصد. لكنها تصاب بعد ذلك بحمى النفاس، وتموت.

قبل عزيزة، كانت هناك هنادي، شقيقة البطلة آمنة (فاتن حمامة ايضا) في فيلم “دعاء الكروان” (1956)، التي تقع في غرام مخدومها المهندس الوسيم، فتُقتل على يد خالها، غسلا للعار الذي تسببت به، باقامة علاقة جنسية مع مخدومها هذا.

عشرات القصص يمكن ان تنقل عن ذاكرة السينما في ما يتعلق بالعذرية أو العلاقات الجنسية للبنات خارج الزواج، حتى لو كانت اغتصاباً. وأفضل من لخّص هذه القصص، الممثل يوسف وهبي، بكلمته المأثورة، العائشة حتى اليوم: “شرف البنت زي (مثل) عود الكبريت، ما يولّعش (يشتعل) غير مرة واحدة”. وهي كلمة، بصرف النظر عن الإهانة التي تقيمها بين “الكبريت” وبين “شرف البنت”، تختصر الموقف العربي الموَّحد من العذرية؛ موقف لا يمكنه ان يتخيل علاقة جنسية للبنات قبل الزواج، أوخارجه.

مع الوقت، حصل نوع من “التطور السينمائي”، فانتقلت القصة من القتل الجسدي إلى القتل المعنوي. صارت البنت التي لها علاقات جنسية واقعة تحت وطأة واحدة من العقوبات التالية: فإما أن يتركها حبيبها أو خطبيها وينهي علاقته بها، أو انها تضيع وتغرق عالم البغاء، أو أن “ثمنها يرخص”، يستر على عرضها درويش أقل منها شأناً، أو يقتلها المخرج في نهاية الفيلم، تجنّبا لأي موقف أخلاقي قد يضطر ان يأخذه تجاهها.

أما في الواقع، فقد سارت الأمور على سكتين متوازيتين: السكّة التقليدية، المتمثلة بالإبقاء على قانون جريمة الشرف، الذي يشجّع أي أخ أو زوج أو أب على قتل الأنثى التي “تخصّه” بمجرد الشك بسلوكها؛ وهو قانون، يمنح القاتل “أسبابا تخفيفية” تقضي بسجنه بضعة أشهر، والسلام…! أما السكّة الجديدة، فتتجسّد في انتشار العيادات الطبية المتخصصة باجراء عملية إعادة العذرية، مدعومة بفتاوى تجيزها، مثل تلك الفتوى (2009) التي أصدرتها الأزهرية الدكتورة سعاد صالح، التي أيدت العملية، وأيدت إخفاءها عن العريس العتيد، ودعت المسلمين إلى التبرع بالمال من أجل تمويل البنات الفقيرات للقيام بهذه العملية.

أربع شابات تجاوزن الخامسة والثلاثين من العمر، يبحثن عن رجال؛ فاما ان يجدن ولا يعجبهن، او يكذب عليهن، أو لا يجدن ابداً. الشابات صديقات، والنقاش بينهن مفتوح ومرح، وعلى رأس هذا النقاش علاقاتهن الجنسية بالرجال اللواتي يجدن؛ واحدة مزاجها الجنسي مثل مزاج الرجال، تريد فقط اللذة الجنسية، تحضر الشاب المرغوب الى منزلها، وترفض ان يبيت عندها، لتعود فتقيم علاقة مع شاب آخر. الثانية لها علاقة جنسية أسبوعية مع عشيقها المصري، تمارسها في أحد فنادق العاصمة، تطالبه بالزواج، ولكنه يؤجل، لتكتشف في النهاية انه متزوج وله أولاد. الثالثة على علاقة غرامية جنسية برجل متزوج، يؤجل طلاقه من زوجته التي يدعي انه منفصل عنها، وحين تكتشف بفرحة انها حامل منه، تعتقد ان اللحظة المناسبة جاءت، تعود وتلحّ عليه بأن يتزوجا، ولكنه يرفض بحسم ويطلب منها إسقاط الجنين.

لا ينتهي الفيلم بمقتل واحدة من البطلات، ولا بسقوطها في براثن البغاء، ولا بهزيمتها الإجتماعية. بالعكس، الثانية تجد عريسا، والأولى تقع في غرام جارها، والرابعة تلتقي بحب حياتها في المستشفى. هذا تابو كبير كسره الفيلم؛ وبهذا يكون تقدم خطوة حثيثة نحو مساعدة المجتمع والشابات أن يروا انفسهم على الشاشة، كما يكن أو يكون بعضهن، لا كما يجب أن يكن.

وهذه حرية جديدة، ولكنها لم تذهب أبعد مما تستطيع. إذ ان البطلة التي تحمل من عشيقها المتزوج لا تستطيع ان تحتفظ بجنينها المرغوب، بسبب “القيل والقال بين الناس”، كما تقول. ورسالة الفيلم واضحة هنا، بلا ريب: أقيموا علاقات جنسية قبل الزواج ، ولكن لا تنجبن خارجه؛ اذ ان المجتمع ما زال يمنعه!

السابق
اوستراليا ستنزع الجنسية عن الجهاديين الحاصلين على جوازين
التالي
مفاتيح هواتفنا بيد الاستخبارات الأميركيّة