وطن مختوم بالشمع الأحمر

طُلب من طبيب اختصاصي يوماً أن يختار قطعة أرض في إحدى المدن، فيسوّرها ليبنى عليها مُستشفى للأمراض العقلية، فقام الطبيب بتسوير المدينة بأكملها.
لماذا يُجهد وزير الصحة ووزير المال اللبنانيَّين نفسيهما ويوصدان ما في العاصمة وما في لبنان من فساد، وهما يعلمان علم اليقين أن هذا الفساد يعمّ البلاد بأكملها، وأن الوطن غير مستوفٍ شروط العيش فيه، لا سياسياً ولا اجتماعياً ولا صحياً ولا عقائدياً، وأن علينا البحث عن وطن بديل مؤقت ثم العودة إليه بعدما يصلح الدهر ما أفسده العطارون فيه، وما أكثرهم. فبعد المسالخ والإهراءات والمستشفيات وما في برّه من فساد، جاء دور بحره فختموه وأسماكه بالشمع الأحمر، لأنهما لا يستوفيان الشروط، فهل عندنا ما يكفي من شمع لنختم الخافي الأعظم؟ أم علينا أن نبني مصنعاً لشمعه كي يشفي غليل أختامه؟ وماذا عن متحف الشمع النيابي ونوابه القابعين في بيوتهم، الذين لا يكتمل نصابهم إلا للتمديد لأنفسهم والتمدد على أرائك سعادتهم، وقد شغلتهم السياسة عن الالتفات إلى مطالب الناس ومنها سلسلة رتبه ورواتبه، فهل متحف شمعهم ما زال مستوفياً للشروط؟ وماذا عن حكومة إمارات لبنان المشابهة لمجلس الأمن الدولي في حق «الفيتو» لكل أمير فيها، وهل ستبقى إلى أن يقضي الله فيها أمراً كان مفعولاً، ويأمر سبحانه الدول المعنية بمصير لبنان أن ينتخبوا فوراً رئيساً له ولشعبه؟ كل شيء في هذا الوطن أضحى بثمن. فثمن موتنا تحت الأنقاض نعرفه، وثمن الخطف مقابل فدية خبرناه، والثمن المجحف لركن سياراتنا بجانب أرصفة العاصمة معروف، وثمن الأكل في المطاعم يكاد يكلفنا حياتنا، وثمن انتخاب نواب لنا ما زال علقمه في فمنا، وثمن تعليم أولادنا حتى تخرّجهم من جامعاتنا الخاصة جرّدنا من ثيابنا وجعلنا نُشهر إفلاسنا، وثمن الحروب المجنونة التي خضناها، بعضنا ضد بعض، دفعنا ضريبتها الباهظة من دمائنا ودماء فلذات أكبادنا، فماذا بقي لنا لندفع ثمنه؟
يقال إننا سندفع منذ اليوم زيادة على مكالماتنا الهاتفية مع أصدقائنا المحامين بمقدار دولارين من فضة على الدقيقة الواحدة في النهار، وأربعة دولارات من ذهب على الدقيقة ليلاً، ولو للسؤال عن صحتهم وأحوالهم، ونُمنع بعد اليوم نحن «الجمهور الرخيص»، كما قال كبيره، من الكلام بلا مقابل، أو طلب الاستشارة عبر هواتفنا النقالة من ملائكة الدفاع عن العدل والعدالة.
وقد تنسحب تلك الفكرة على الأطباء غداً لأن السكوت بات مجاناً والكلام من ذهب. لم نعد نملك في هذا الوطن المختوم عليه بالشمع الأحمر إلا كرامتنا، فهل سيختمون عليها أيضاً؟

http://assafir.com/Article/1/403333

(السفير)

السابق
هذا ما يجب القيام به عند التسمم الغذائي
التالي
مجهولون أضرموا النار داخل سيارة مسؤول في أمل