روبرت فيسك: جنبلاط لن يستقيل أبدا

تطرق روبرت فيسك في مقال له على موقع “The Independent” لموضوع الجاسوس السويدي الذي اختبأ في المختارة، وجاء فيه:

منذ أكثر من 20 عاما، اعترف وليد جنبلاط، الزعيم الدرزي اللبناني، لدبلوماسي سويدي انه خبأ جاسوسا سوفياتيا – ضابط استخبارات سويدي – قرب منزله في المختارة في أوائل التسعينات، بناء على طلب من كبار ضباط المخابرات الروسية.

كنت جالسا في ذلك المساء على العشب في قصر جنبلاط.

المحادثة كانت ودية. السويدي، مثلي، كان ضيفا على العشاء في قصر جنبلاط التاريخي، قصر ذو جدران قديمة حجرية وأرضية من الفسيفساء الروماني.

كل من جنبلاط و السويدي نظرا لعملية إيواء الجاسوس السوفياتي ستيغ بيرغلينغ كبقايا من تاريخ الحرب الباردة. كان هناك الكثير من الأحاديث والضحك حول القصة الغريبة.

“نعم، كان يتناول الغداء معنا هنا”، قال جنبلاط بينما دل بيده على الحديقة. أكمل: “أعتذر إلى السويد.” انحنى الدبلوماسي بسخرية واضحة. أما أنا فضحكت في إشارة لأدب السويدي المبالغ به.

ولكن بيرغلينغ توفي للتو في ستوكهولم عن عمر يناهز ال77.

وليد جنبلاط -العدو المعلن لنظام بشار الأسد السوري و ضحية لمحاولة اغتيال أثناء الحرب الأهلية 1975-1990- قد كشف الآن معلومات إضافية حول دوره في إيواء الجاسوس المرتشي، الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهمة التجسس، لكنه هرب من الاسر في السويد خلال “زيارته الزوجية” لزوجته في عام 1987.

وبعد سنوات قليلة، يقول جنبلاط الآن، انه تلقى “زيارة ودية” من الجنرال فلاديمير إسماعيلوف، نائب مدير الاستخبارات العسكرية السوفيتية.

جنبلاط ، في سلسلة من رسائل بريدية إلكترونية إلى بعض الأصدقاء، كما في مقال له في صحيفة حزبه “الانباء”، يصف إسماعيلوف بأنه ” لافت، طويل القامة مع شعر احمر و شارب كبير”. رافقه إلى المختارة “مسؤول آخر، وهو على الأرجح أحد مساعديه و صديق مشترك”. وبدأت المحادثات بين جنبلاط والروس “بعد خمس أو ست أكواب من الفودكا، والعديد من الأنخاب للصداقة السوفياتية اللبنانية، و الحزب التقدمي الاشتراكي والكفاح المشترك مع الحزب الشيوعي السوفياتي.”

كان يستمتع بوضوح بروي قصته عن مخبأ بيرغلينغ السري في جنوب بيروت.

وأكمل: “فقد قال الجنرال إسماعيلوف لي: الرفيق وليد، كنت صديقا كبيرا للاتحاد السوفياتي، و أننا لن ننسى أبدا موقفكم الداعم لقضية الشعب السوفياتي و “نضالنا المشترك ضد الإمبريالية”. وأفترض أن بعضكم يعرف هذا النوع من المصطلحات. لندخل في صلب الموضوع، فقد طلب إسماعيلوف مني تأمين مأوى في المختارة لأحد الأشخاص. كيف يمكن أن أرفض؟ قدم السوفياتيين لي مئات المنح الدراسية، و دربوا الآلاف من مقاتلي الحزب الاشتراكي في قواعدهم كما وفروا لنا ما يعادل 500 مليون دولار من الأسلحة و الذخيرة بين عامي 1979 حتى أواخر الثمانينات، مجانا.”

جنبلاط، الذي كان والده كمال (وهو كاتب و فيلسوف، معاون غاندي و أيضا الزعيم الدرزي) اغتيل على يد مسلحين – يكاد يكون من المؤكد أنهم عملاء سوريين- في عام 1977، تمتع بالافصاح عن هذه المعلومات فقال:

“قلت نعم دون تردد ، وواصلنا الغداء الذي لا نهاية له، وأنا أتساءل كيف كنا نستهلك هذا الكم من زجاجات الفودكا لهذا الحدث، وبطبيعة الحال لسبب شائع وهو قتال “الإمبريالية” و من أجل ترسيخ “الاشتراكية”.”

وواصل جنبلاط : “بعد ذلك بأسبوعين، جاء رجل في أواخر الخمسينات من عمره مع زوجته، وأمنا له منزول في الطابق العلوي من بيت نعمة طعمة… ولكن من كان هذا الزميل وزوجته؟ ستيغ بيرغلينغ وزوجته اليزابيث ساندبرج، اللذان كانا ضيفانا للسنوات الأربع التي تبعت، وشريكانا في العشاء أو الغداء، وفي مناسبات مختلفة. كان أمر غريب جدا أن يسألني السوفيات إخفاء أحد أخطر جواسيسهم، وبعد ذلك تأكدت شكوكي بأن شيئا ما كان خطأ في الامبراطورية السوفياتية، لمجرد انهيارها بعد سنة فقط. ثانيا، السيد “آبيه” كما كنا نناديه، أي ستيغ بيرغلينغ، فر من لبنان في عام 1994 إلى السويد…أما بالنسبة لي، انتهى بي الأمر محرجا بشكل رهيب من أصدقائي السويديين من الحزب الإشتراكي الديمقراطي، والذين كنت على اتصال وثيق بهم، وبفضل هذه العلاقة أتيحت لي الفرصة للقاء زعيم القرن العشرين، الراحل أولوف بالم عدة مرات. ألحق ستيغ بيرغلينغ الكثير من الأضرار بالسويد وبي.”

وقد أطلق سراح بيرغلينغ لأسباب صحية بعد معاناته من مرض باركنسون وتوفي في 24 يناير. أما زوجته، فقد توفيت جراء مرض السرطان قبل 18 عاما.عملية تجسسه، التي خاضها من أجل المنفعة المالية فقط كما صرح أثناء محاكمته، كلفت السويد ما يقارب 45 مليون دولار لإعادة تنظيم عملياتها الأمنية. كما استقال وزير العدل السويدي حينها.أما جنبلاط ، فإنه يصف الآن الجاسوس على أنه “عرض لم يستطع رفضه وهدية من الجنرال فلاديمير إسماعيلوف” .و بما أن جنبلاط هو واحد من كبار رجال الدولة والأكثر فكرا في لبنان، يمكنني أن أشهد بأنه لن يستقيل أبدا، على الأقل ليس قبل تسليم ابنه تيمور قيادة الأتباع الأكثر رجولية ومتانة، أي الدروز.

وقد رد رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط على فيسك عبر موقع الأنباء، فقال:

شكرا لك روبرت لتغطية واحدة من قصصي الغريبة وسأحاول إنعاش ذاكرتي لبعض معلومات وقصص جديدة. أعتقد أن لدي العديد. أتمنى أن يتجنب تيمور “أخطاء” والده، ولكن بالطبع أن يواصل طريق ترسيخ الاشتراكية. فإنها ضرورة تاريخية.”

ترجمة: Liban 8

السابق
نازحون سوريون في عين العاصفة
التالي
جنبلاط وفرنجية يؤجلان الاستقالة