الرئاسة في لبنان تُكتب بحبر «الاتفاق النووي»

يوم الأحد سيلتقي وزيرا خارجية أميركا وإيران مجدداً. وأمس بدأت الاجتماعات التحضيرية على مستوى مساعدي وزراء الخارجية بين إيران والدول الست الكبرى.
كل المؤشرات الخارجة من طهران وواشنطن تنبئ باتفاق وشيك. الانفعال الإسرائيلي يصبّ في الاتجاه نفسه أيضاً. الإشارة الأبلغ كانت من الرئيس باراك أوباما الذي اعتبر أن الشق التقني من الاتفاق أُنجز ولم يبق منه سوى الشق السياسي. وإذا كان أوباما ربط هذا الشق برغبة إيران بالتوصل إلى اتفاق، فإنه يعرف قبل غيره أن الإيرانيين متحمّسون للاتفاق، لكن شرطهم الأساسي يكمن في رفع العقوبات بشكل نهائي. وهو شرط ليس الإيرانيون هم المعنيين بضمانه، إنما الإدارة الأميركية نفسها.
يعتبر زوار إيران أن طهران لن تتوقف عند رفع العقوبات دفعة واحدة أو رفعها تدريجياً، لكن الأساس بالنسبة لها هو إنجاز الاتفاق كاملاً وعدم ترك أي بند لمرحلة لاحقة. ذلك شرط يُحرج أوباما المتحمّس بدوره للاتفاق. لديه عقبة أساسية تتمثل برفض الكونغرس رفع العقوبات التي فرضها، خاضعاً، بالتالي، لضغوط جمهورية وإسرائيلية كبيرة، ستتوّج بالخطاب الذي يلقيه بنيامين نتنياهو من على منبره.
هل يمكن أن يضرب الكونغرسُ الاتفاق؟ ذلك هو السؤال الأهم الذي يتوقف عليه مصير المحادثات، والذي بدأت الإدارة الأميركية البحث في كيفية عزل تأثيره، على خططها الانفتاحية على طهران. ومَن يتابع تطور الموقف الأميركي يدرك أن لدى هذه الإدارة الكثير من الوسائل التي يمكن أن تفيدها في معركتها مع الكونغرس، لتأكيد الأهمية الاستراتيجية لاتفاق كهذا. فالاتفاق مع إيران لا يمكن عزله عن سياق السعي لحرمان روسيا من حليف رئيس لها في الشرق الأوسط، كما أنه يفتح لأميركا باباً على دول شرق آسيا باقتصاداتها العملاقة ودول آسيا الوسطى بغازها وموقعها الاستراتيجي على حدود روسيا. الأكيد أن ثمة من يؤكد أن أوباما سيكون أمام مهمة صعبة لكن ليست مستحيلة، للضغط على الكونغرس من خلال خلق رأي عام أميركي مؤيد للاتفاق، بالتعاون مع لوبي إعلامي وسياسي فاعل.
اللافت أنه قبل إنجاز الاتفاق، الذي يُصرّ الطرفان على أنه محصور بالبرنامج النووي الإيراني، فإن مفاعيله بدأت بالظهور في أكثر من ساحة إقليمية. أبرز هذه الساحات كانت اليمن. فمقابل التمدّد الحوثي من الشمال إلى صنعاء، كان التنديد الأميركي أقل من خجول، بما فسّر بوصفه غطاءً لهذا التمدد، وبالتالي للدور الإيراني في اليمن. وفي السياق نفسه، يأتي الانزعاج الأميركي الواضح من الغارة الإسرائيلية على الجولان، والتي يعتبر البعض أنها كانت محاولة للنيل من الاتفاق النووي. وهو ما تبعه «بيان متوازن» من الولايات المتحدة تعليقاً على عملية المقاومة في مزارع شبعا. وفيما صار الأميركيون مقتنعين أن إيران هي جزء لا يتجزأ من الحرب على الإرهاب الداعشي، بدا أن إيران تسعى إلى فرض معادلات جديدة (معركتا الجنوب وحلب) في سوريا تسبق موعد الاتفاق النهائي في حزيران المقبل.
كل ذلك يوحي أن الاتفاق صار أقوى من الرياح التي تواجهه. ومَن يسعَ إلى عرقلته يعرف أن المصالح الأميركية لن تقف عند خاطر أحد. لكن مع ذلك ثمة أسئلة لا بد من الإجابة عليها: هل ستقبل أميركا بإيران شريكاً في المنطقة؟ وكيف ستسلم دول الخليج وإسرائيل بالواقع الجديد؟ وهل إيران حاضرة لتكون شريكاً للولايات المتحدة؟ وهل ستتخلى عند دعمها لجهود الدول الباحثة عن إلغاء الأحادية القطبية؟ وهل يمكن لها أن تزاوج بين تفاهم مع أميركا وبين سياسة خارجية متحررة تسمح لها بالإبقاء على علاقاتها المتينة مع روسيا تحديداً؟ وهل الانتقال من التصادم إلى التفاهم سيعني معالجة الاختلافات بالحوار والتسويات؟ وهل يمكن أن تعطي إيران ضمانات لأميركا بشأن «انضباط» دور «حزب الله» العسكري والسياسي؟ وهل ستعطي أميركا ضمانات لإسرائيل بأن الاتفاق لن يكون على حسابها وأن أمنها سيبقى عنوان السياسة الأميركية في المنطقة؟
معهد «ستراتفور»، المعروف بقربه من الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه»، نقل عن مصادر قولها إنّ اتفاقاً رسمياً بين الولايات المتحدة وإيران بات وشيكاً، مرفقاً ذلك بإشارة إلى أن «الاتفاق سيتضمّن، بشكل غير رسمي، قبول إيران كقوّة أجنبيّة مسيطرة في لبنان». ماذا يعني ذلك؟ وكيف سيترجم؟ شخصيات مقرّبة من طهران تعتبر أنه بعيداً عن الثقة بمعلومات المعهد، فإن التأثيرات التي بدأت تظهر على كل المنطقة لا يمكن أن تستثني لبنان. وإذا كانت أميركا ستسلم بشراكة إيرانية في المنطقة، فإنه من الطبيعي أن يكون لبنان هو أبرز عناوين هذه الشراكة، انطلاقاً من الدور الفاعل لـ «حزب الله» في السياسة المحلية.
«أولى نتائج المرحلة الجديدة ستكون مباركة وصول ميشال عون إلى قصر بعبدا»، هذا ما يعتقده قطاع واسع في «8 آذار»، إضافة إلى الرابية طبعاً. والأهم أن هناك مَن يراهن على تغطية سعودية لخطوة كهذه، أولاً لأنها ستكون بمباركة أميركية، وثانياً لأن «سيبة» الحكم في الرياض ما تزال في طور التثبيت، وثالثاً لأن السعودية لن تخرج خاسرة طالما أن الصلاحيات الواسعة لرئيس الحكومة لن تمسّ، ورابعاً لأن الحوارات التي يجريها «المستقبل» مع «حزب الله»، واستعادة التواصل مع عون، توحي أن الرياض بدأت تعدّ الأرضية اللازمة لفترة ما بعد الاتفاق النووي.

http://assafir.com/Article/1/403378

(السفير)

السابق
بالفيديو: 1.5 مليون مشاهدة لرد فعل شاب وجد حبيبته منتحرة داخل «البانيو»
التالي
رفيق الحريري الثورة الهادئة