مَن سينتصر في عقل سمير جعجع؟

.. ومن تغريداتهم تعرفون نياتهم. يكفي إجراء جولة سريعة بين حروف «معايدات الغزل» التي أودعها ميشال عون وسمير جعجع موقع «تويتر» لمناسبة العيد الثمانين للأول، لكي يستدل «السائح» في معالم الحوار العوني – القواتي، ويستكشف خفايا وخبايا المغاور العميقة في عقلَيْ الرجلين.

جولات مسائية طويلة ومكثفة أنجزها كل من ابراهيم كنعان وملحم رياشي كي يتمّما «بازل» ورقة «إعلان النوايا» لتكون شاهداً مكتوباً على «المصالحة المتأخرة» بين «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية» بعد عقود من الاقتتال العسكري والسياسي.
الورقة شبه مُنجَزة، لا تحتاج سوى لبعض اللمسات البسيطة كي تطلق للعلن وتكذّب مياهُها الغطاسين المشككين بإمكانية إحداث هذا الاختراق. أصلاً، ليست هنا العقدة التي تحول حتى الآن دون انعقاد «لقاء القمة»، فالورقة هي تفصيل بسيط في سياق العلاقة المعقدة في ماضيها وحاضرها ومستقبلها، حيث لن يكون بمقدور بعض التعابير الإنشائية إزالة ألغامها.
كلا الفريقين يدركان أن الرئاسة هي «بيت الشاعر»، لكنهما يختبئان خلف «التقية» السياسية كي لا يفضحا الأوراق ويحرقا فرصة قد تكون متاحة. ولهذا كانت تغريدتاهما أفصح كلام بينهما.
بدا «حكيم معراب» مرتاحاً لزمانه الذي يلعب على أوتاره، واستطراداً غير مستعجل لتحقيق «معجزة التفاهم» مع خصمه: الوقت أمامنا والرئاسة خلفنا… فيما الجنرال يسارع عقارب الساعة كي تحصل «القيامة» من خلف حجارة دارته.
… وكأن المفاوضات بلغت مفترق طرق. أقلّه هكذا يريدها ميشال عون على طريقة «نعم أو لا»، أي أبيض أو أسود، لأنها لم تعد تحتمل بنظره مزيداً من الأخذ والردّ اللذين لن يغيّرا شيئاً في الجوهر إذا لم يعط سمير جعجع كلمته.
وفق المتابعين، فإنّ اللقاء لن يحصل بين الرجلين إذا لم يتأبط الضيف القواتي «كلمة سرّه»، ليضع يده بيد المضيف ويسيران سوياً إلى البرلمان للتصويت بورقة ميشال عون. لن يقبل الجنرال بأقل من هذا العرض ولن يساير على ما دونه. ولهذا لن يدرَج الموعد على الأجندة البرتقالية إذا لم يتوفر هذا الشرط الأساسي، مع أنّ جعجع يفضّل أن يزور الرابية بالأمس قبل اليوم..
في المقابل، فإنّ «قائد القوات» لا ينتظر بلوغ هذه المحطة كي يحقق مكاسبه، لأنه أينما توقف في هذا المسار فلن يتكبّد أي خسائر، لا بل بالعكس «سيقرّش» «حدفاته» في خانة الانتصارات. إذ مجرد إيذانه بفتح باب حواري ومد يده باتجاه الخصوم يعني أنّه بصدد تبييض صفحته أمام الجمهور المسيحي، وطالما أنّ الآخرين هم المسؤولون عن الفشل، فلا خشية من ردات الفعل السلبية على أداء «القوات».
ومع ذلك، ثمة من يحاولون، و «العونيون» أولهم، أن يفكوا أحجية – سؤالاً جوهرياً: أي عقل يحرّك سمير جعجع؟ إلى أين سيقوده؟ وما هي حدود تحرره الرئاسي؟
الآراء تكاد تكون منقسمة إلى فرعين: فريق مقتنع بمصداقية جعجع في مسيرته الحوارية في ضوء الكثير من المعطيات، الإقليمية والمحلية، منها المرتبط بالتدهور الديموغرافي للمسيحيين في الشرق والذي لن يعفي مسيحيي لبنان من أثمانه، ومنها متصل باحتمالات حصول تفاهمات إقليمية قد تعطي ميشال عون الأفضلية كمرشح على غيره من الموارنة.
بنظر هؤلاء، ثمة «زاوية مقاومة» في عقل سمير جعجع تدفعه إلى التفكير ملياً في مصلحة المسيحيين في ضوء التحديات الكبرى التي تواجههم، وقد تقوده بالنتيجة إلى خيار ميشال عون الرئاسي وفق مشروع متكامل يحفظ للمسيحيين، و«القوات» من ضمنهم، موقعهم في التركيبة السلطوية.
وثمة فريق مقتنع أنّ سمير جعجع لم يترك ماضيه ولا يزال مهجوساً بفكرة ضرب ميشال عون. وتالياً لا تروي اللقاءات المتكررة بين كنعان ورياشي عطش هؤلاء المشككين، متسلّحين بتجربة اقتراح «اللقاء الأرثوذكسي» الذي شطبه جعجع بشحطة قلم بسبب ارتباطاته التحالفية. فكيف يمكن له اليوم أن يتمرّد على شركائه ويضع ورقة عون في الصندوقة الخشبية؟
هناك مَن يتبرّع للجواب على هذا السؤال بالقول إنّ «حكيم معراب»، إذا ما فعلها فلن يكون بصدد الانقلاب على تحالفاته، وإنما هو سيركب موجة تفاهمات إقليمية فعلت فعلها في الاستحقاق اللبناني، وليكون شريكاً فعلياً في نتائجها، بعدما تيقن أنّ أيّ طبخة إقليمية قد تأتي برئيس وسطي ستتركه شريكاً شكلياً لا أكثر.
يكفيه أن يراقب عن بُعد التواصل العوني – المستقلبي المتجدّد بعد عودة سعد الحريري إلى بيروت، ليمنّن نفسه بأنّه لم يعد على هامش هذا الحراك، خصوصاً إذا كان منتجاً… لا بل صار واحداً من الطهاة.
وهو لن يترك الساحة خالية أمام حلفائه ليقطفوا ثمار أي تغييرات قد تحصل في المنطقة، وقد تحمل ميشال عون على راحاتها إلى القصر الجمهوري، ولهذا وضع نفسه على السكة. فإذا وصل القطار البرتقالي إلى بعبدا، فستكون «القوات» في عداد جوقة العرابين.. وإذا لم يصل، فيكون الرجل قد أدى قسطه إلى العلى في التقارب من العونيين.
هكذا، يستكمل كنعان ورياشي مهمتهما متسلحين بالآذان الصماء، وبين أيديهما بعض «التعقيدات اللغوية» حول بنود سيادية لا تزال تنتظر أجوبة مرضية للطرفين، كي تكون الورقة جاهزة للنشر، لينتقلا رسمياً إلى الجولة الثانية من المفاوضات: الرئاسة.

(السفير)

 

السابق
اتفاق أميركي – تركي لتدريب المعارضة السورية
التالي
الغرب لم يرَ «الحرب الهجينة» الإيرانية على العرب