يوميات معتقل (2): أحلام النوم على نصف حذاء

في الجزء الثاني من يوميات معتقل في السجن الإسرائيلي، الذي ينشره موقع «جنوبية»، يسرد الشيوعي العتيق محمد فرحات عن الحرمان الذي عانى منه المعتقلون في سجن الإعتقال، والذي أصبح بعد عدّة أسابيع أسلوب حياة إعتادوا عليه.

إكتمل  «المعتقل المدينة» من مئات الخيم المتشابهة المتراصّة. المعسكر الواحد يتألّف من عشرين خيمة وخمسمائة أسير، مع حفرة وضع عليها لوح من الخشب حيث سنجلس القرفصاء لتأدية حاجاتنا، بالإضافة إلى خيمة المطبخ المقفلة من كل الجوانب، على عكس خيمنا التي كانت عبارة عن قطعة قماش تحجب القليل من الشمس والقليل من المطر.

آلاف المعتقلين بلباسهم الكاكي الموحّد أصبحوا، وخلال أيام قليلة، سكان ذلك الحقل القريب من بلدة أنصار.

من أسوأ ما قد يحصل مع الإنسان العاقل في حياته، هو اضطراره لتأدية حاجته أمام عيون أشخاص مثله، يعرفهم أو لا يعرفهم، الكثيرون منّا، وأنا منهم، وبداعي الخجل، أجبر نفسه على تأجيل التغوّط لأيام.

إكتملت المعسكرات بناسها وأسلاكها وأبراجها وحرّاسها، وكذلك بالهدير المتواصل لملالات الدورية التي كانت تجوب الطرق الترابية بين المعسكرات. وعبر أنابيب سوداء صغيرة مثبتة على جرن معدني كان على المياه الشحيحة النادرة أن تسيل، المياه التي كانت عيون الأسرى تتابع حركتها، حيث يحتشد هناك دائماً العشرات في انتطارها.

الإنتظار الدائم للمياه أجبرني على البقاء لسبعة أشهر بلا أي نوع من الإغتسال. شلّة المطبخ كانت تجمع  معظم المياه بذريعة الحاجة للطبخ وإعداد الشاي، كانوا يستحمّون أمامنا بشكل يومي بحجة عملهم في المطبخ وضرورة أن تكون أجسادهم أكثر نظافة لأنّهم يعملون في صناعة طعامنا. أمّا نحن فكنّا نكتفي بمحاولة الحصول على القليل من الماء من أجل اطفاء ظمأ أفواهنا.

تشكّلت المدينة “السجنية” فتشكّلت مجتمعاتها، بدأ التعارف الحذر للمعتقلين فيما بينهم. أسئلة عن الأحياء والأموات في الخارج، إلاّ  «أبو فاعور»، الرجل الستيني الفلسطيني لم يفتح فمه لأيام عديدة. كان يجلس قربنا في زاوية الخيمة. إعتقدنا في البداية أنه أصمّ أبكم قبل أن يسرّ لنا أحدهم بأنّ جميع أفراد عائلة أبو فاعور، وثلاثين فرداً من أقاربه قتلوا بصاروخ أطلقته طائرة إسرائيلة على مخيّم البرج الشمالي شمال في لبنان.

لكلّ أسير سيجارتان في اليوم، أكثر شباب قريتي ما كانوا مدخّنين حينها، فكانوا يهبونني ما يحصلون عليه، أيام كثيرة مرّت قبل أن يقوم الجنود باستدعاء غير المدخنين لإحصائهم، وبالتالي لإعطائهم وعداً بالحصول يومياً على بعض الحلوى مقابل حصتّهم من السجائر.

لم يحصل هؤلاء على أيّ حلوى، وتبخّرت السجائر الفائضة بلا مقابل!

قلّة منّا كانت قد حصلت على زوج من الأحذية، ولأيام عديدة كنت واحداً من هؤلاء المحظوظين، قبل أن يُسرَق حذائي الأيمن، خلال نومي، وبالتحديد من تحت رأسي. ولأشهر طويلة امتلكت نصف حذاء وبالتالي نصف مخدّة…

العهد الذي قطعته على نفسي هناك ما زال سارياً إلى اليوم: سأشرب كثيراً، سأدخّن كثيراً، سأحاول أن أنتعل أحذية ممتازة، وموعد مع حمّام رائع كلّ صباح!

السابق
كندا: شيخ شيعي لبنانيّ تدرّب بايران.. فطردته
التالي
Montreal imam has passport revoked over trainings in Iran