إيران: الإمبراطورية والدولة

لا يختلف المراقبون و المحللون الاستراتيجيون على ان الثورة التي انفجرت في عقد السبعينات من القرن الماضي ضد نظام الشاه الموالي للغرب في ايران قد شهدت تحولا كبيرا في سيرورتها من ثورة مدنية يقودها تحالف قوى يسارية وازنة وأساسية وقوى اسلامية بقيادة الامام الخميني الى ثورة اسلامية خالصة على المذهب الشيعي الإثني عشري بعدما تمكنت من أكل أولادها الحقيقيين (حزب تودة وفدائيو خلق ومجاهدو خلق…).

فمبكرا، اي منذ بداية الثمانينات بدأت في زرع أذرعها حيث يتواجد الشيعة حسينيين او حسنيين لا فرق على امتداد الجغرافيا الاسلامية. كما عرفت وبذكاء استثنائي كيف تتصدى لقضية المسلمين الاولى (القضية الفلسطينية) في الوقت الذي تُركت فيه هذه القضية تواجه مصيرها بعد صفقة “كمب ديفيد” المشؤومة وانهيار المشروع العربي التحرري. عرقلت الحرب العراقية الإيرانية التي امتدت لثماني سنوات (بغض النظر عن أسبابها ونتائجها) مسار الاستراتيجية الإيرانية نحو الامبراطورية لبعض الوقت و لكن دون ان تعدل فيها او تلغيها.
لقد بلغ المشروع الامبراطوري الإيراني ذروته في العهد الاول وبداية العهد الثاني للرئيس محمود احمدي نجاد وذلك عبر التقدم البارز في الملف النووي، وإحكام القبضة على العراق عبر المالكي، وإحكام القبضة على المقاومة الفلسطينية عبر حركتي “حماس” و”الجهاد”، وتصليب العلاقة مع النظام السوري (العلوي)، والنفاذ الى البحر المتوسط عبر “حزب الله” في لبنان، ومد النفوذ الى داخل المجتمع الخليجي، الحوثيين في اليمن، الشيعة في السعودية وفي البحرين والكويت الى حملة تشييع واسعة في المغرب والسودان ومصر وسوريا.
الا أن تطورات السنوات الثلاث الاخيرة أظهرت بوضوح ان المشروع الامبراطوري الفارسي بطربوشه الشيعي قد بدأ بالاهتزاز والانكفاء. من الشواهد على ذلك: انفراط عقد النظام في سوريا وتحول سوريا عبئا عسكريا وماديا على ايران، وبيّنت حرب العدو الصهيوني الاخيرة على غزة غياب اي دور لإيران في مواجهتها او في التسوية التي انتهت اليها، وسقوط اليد الغليظة لإيران في العراق، واستنزاف “حزب الله” في سوريا دون افق واضطراره للدخول في تسويات في الداخل اللبناني كان يرفضها قبل ثلاث سنوات، وانهيار المشروع الاسلامي السني عبر إسقاط حكم الاخوان في مصر، وهذا يعني فقدان مبرر أساسي لقيام مشروع إسلامي شيعي (الهلال الشيعي).
ايران تتجه نحو تسويات لمختلف الملفات تحدد فيها خسائرها بدءا من الملف النووي لمنع حصول الانهيار في حال استمرار الاستنزاف والحصار وعندئذ سيكون بمقدورها بما تمتلكه من ثروات من بناء دولة قوية ومتقدمة في محيطها. وهي لن تنجو من التفتيت في حال جنحت بعض مراكز القوى فيها نحو مغامرة المساهمة في تفكيك الكيانات العربية على أمل الحصول على جزء من الكعكة اذا تعذر الحصول عليها كلها.
فهل ستؤدي كل تلك المتغيرات الى تغيير في الاستراتيجية الإيرانية بعودة الإصلاحيين الى السلطة عبر روحاني واحتمال ظفر تياره بالأكثرية النيابية في انتخابات مجلس الشورى في آذار 2016، فتلملم ايران أذرعها وتتخلى عن حلم الامبراطورية وتستغل ما تملكه من ثروات ومقدرات لبناء دولة حديثة قوية باقتصادها وبالنموذج المتقدم سياسيا واجتماعيا وليس فقط صاروخيا وتسليحيا؟ ام ان مكابرة بعض مراكز القوى فيها سيدفعها الى المصير السوفياتي؟

(النهار)

السابق
نبيلة عواد من «MTV» إلى «سكاي نيوز»
التالي
بالصورة: زوجة راغب علامة تخرج عن صمتها وتواجه إليسا علنًا!