نحو اتفاق بين أميركا وإيران؟

أي حصيلة للمفاوضات حول الملف النووي الايراني بعدما شهدت الآونة الاخيرة اتصالات كثيفة بين ايران ومجموعة 5+1؟ هل الوقت المتبقي حتى شهر آذار المقبل يسمح بالتوصل الى اتفاق شامل في سياق التقارب الاميركي – الايراني؟

تبدو الفترة المتبقية قصيرة نسبيا لردم الهوة بين مواقف الجانبين، على رغم ما يشاع عن اتفاق جاهز تحت الطاولة بين الايرانيين والاميركيين. ذلك ان عملية التفاوض محفوفة بالمخاطر ظاهرا، بسبب الضغوط الكبيرة لقوى اقليمية ومحلية معارضة للتقارب بين ايران والولايات المتحدة. وترى طهران ان الحوار مع واشنطن يمثل “بيضة القبان” في عملية التفاوض الشاملة، لكن مظاهر اهتزاز الثقة بين الجانبين تجعل الامور صعبة جدا. أما القوى الاقليمية التي تشكك في امكانية التوصل الى اتفاق مقبول من جانبها، فان بعضها لا يريد ببساطة حلا للازمة النووية في حين ان قوى اخرى تعارض أصلا أي مقاربة لتنظيم الخلاف بين ايران والغرب.

بكلام آخر، ان علاقة التحالف الاستراتيجي بين اسرائيل واميركا تمنح تل ابيب ميزة الرافعة بالنسبة الى الادارة الاميركية وسياساتها الاقليمية في منطقة الشرق الاوسط، والحالة نفسها قد تنطبق الى حد كبير على العلاقة الاميركية – السعودية. وتأتي المعارضة الثالثة لخيار التوصل الى اتفاق من داخل الادارة الايرانية وتتمثل تحديدا في المعسكر الذي خسر الانتخابات التي جاءت بحسن روحاني رئيسا للجمهورية الاسلامية، والتي لها بالتالي مصلحة في استمرار الازمة. وفي الولايات المتحدة نفسها، هناك مجموعات الضغط المناوئة لايران في الكونغرس، ولاسيما منها مجموعات الضغط العاملة لمصلحة اسرائيل والتي ازدادت قدرتها على تعطيل او عرقلة سياسات الرئيس باراك اوباما عقب هيمنة الجمهوريين على الاكثرية في مجلسي الشيوخ والنواب، علما ان الرئيس الاميركي الذي يحذر بشدة من اقدام الكونغرس على فرض عقوبات جديدة على ايران، يحتاج الى السلطة الاشتراعية لرفع العقوبات.

ولا شك في ان الأولوية لادارة الرئيس روحاني هي تحسين الوضع الاقتصادي في ايران، وهو امر يتطلب رفع العقوبات الذي يقتضي بدوره التوصل الى اتفاق لتسوية ازمة البرنامج النووي الايراني. كذلك تسعى ادارة روحاني الى تحسين العلاقات مع دول الجوار، ولا سيما منها دول الخليج، ما يفترض أيضا انفراجا على صعيد المسألة النووية. وثمة اولوية ثالثة للرئيس روحاني هي ضمان استمرار النظام الديني على الصعيدين الدولي والمحلي.

لكل هذه العوامل والتحديات، تقرر ان تقتصر عملية التفاوض على الملف النووي وترحيل نقاط الخلاف الأخرى الى وقت لاحق. ويرى خبراء ان هذه المقاربة تنطوي على مجازفة كبرى لكون المسألة النووية متعددة الجانب والبعد، ومعقدة جدا في حد ذاتها.
ان الايام والاسابيع المقبلة التي تفضي الى استحقاق آذار المقبل الحاسم قد تقرر مستقبل ايران كقوة محورية ودورها ومكانتها الاقليمية، فضلا عن تداخل رهانات كثيرة. كيف يمكن لايران تحسين الوضع الداخلي من طريق المحادثات والاكتفاء بموازنة سنوية متقشفة لا تتعدى 47 مليار دولار؟ واذا كانت التيارات الايرانية في الداخل، من المحافظين الى الاصلاحيين والوسطيين، قد توصلت الى اجماع على اولوية تسوية المسألة النووية، فانها تختلف على الكثير من الامور الاخرى التي تتطلب تسويات وراء تسويات. في أي حال، ان طهران التي خسرت مئة مليار دولار من الاستثمارات والعوائد المالية بسبب العقوبات، لا يمكنها الاستسلام والتخلي عن تخصيب الأورانيوم تحت وطأة الضغوط والا فإن كل الانجاز المتمثل في الحصول على التكنولوجيا النووية سيبدو ضربا من الجنون على المستويين السياسي والاقتصادي.

هذا لا يمنع ان المجموعة المعارضة للتوصل الى اتفاق بحجة انه يسجل البداية للانزلاق نحو تنازلات أخرى للجمهورية الاسلامية لا تزال في موقع الاقلية، وان المرشد الاعلى آية الله خامنئي له كلمته المسموعة في هذا المعسكر كما في معسكر الاكثرية. لكن الاتجاه الرئيسي السائد على مستوى الطبقة السياسية والرأي العام الايراني يرفض ان يكون لايران برنامجا نوويا يبقيها في وضع دولة معزولة مثل كوريا الشمالية، بل يريدها دولة متطورة اقتصاديا وتحظى بالاحترام دوليا، وهو يدرك ان التمسك بالبرنامج النووي الحالي بات عقبة امام ذلك.

يبقى ان المرشد الأعلى يجيز للمعارضين بأن يبعثوا برسائل الى المتشددين من الاميركيين تبلغهم بأن في ايران اتجاها متشددا ايضا. وان الحجة في التفاوض هي: اذا اعطيناكم وقف التخصيب وتفكيك البرنامج النووي فاننا سنواجه مشاكل داخلية. وليس خافيا في هذا المجال ان المرشد الاعلى قد أدار على الدوام اللعبة السياسية باعتماد التوازن بين القوى المتنافسة، الامر الذي يعني ان السماح للمعارضين بانتقاد سياسة الحكومة ليس سوى وسيلة لابلاغ الرئيس روحاني بأن يكون يقظا ويتفادى الذهاب بعيدا مع الاميركيين. في الحقيقة ان خامنئي يريد ان يتأكد ما اذا كانت اميركا مستعدة لتنازلات حقيقية تسمح بالتوصل الى تسوية. فاذا تحقق هذا الهدف فإنه يعني ان الولايات المتحدة على استعداد حقا لتغيير موقفها من ايران، وعند هذا المستوى فقط يمكن الانتقال الى التفاوض في أمور أخرى، وان كانت طهران اندفعت الى طاولة الحوار بسبب ازمة العقوبات، ولا تريد في الوقت الحاضر رمي كل اوراقها الاستراتيجية تجنبا لاعطاء الانطباع بأنها في موقف ضعف.

ان سيناريو فشل المفاوضات في نظر اوساط ايرانية مطلعة صار مستبعداً لوجود حالة من الثقة المتبادلة بين اوباما وخامنئي دافعها الاساسي الاقرار بدور ايران ومكانتها في التوازن الاقليمي الجديد. أما اذا حصل الفشل فان الرئيس روحاني لن يخسر موقعه لأنه كان دائما في وسط الطبقة السياسية ولا يضيره التحرك ذهابا وايابا في اتجاه أو آخر ما دام يعرف تماما كيف تعمل آليات النظام وما دام خامنئي في حاجة اليه باعتبار ان فريقه هو الأفضل اقتصاديا ويعرف كيف يتصرف لتعويم الاقتصاد الايراني.

في المقابل ان النتيجة ستكون اياها في حال تحقق سيناريو التوصل الى اتفاق نووي، اذ يكون روحاني قد كسب الرهان وحقق وعده مما يعزز شعبيته ويدعم سلطته، وان كان هذا النجاح قد يهدد مراكز قوى أخرى في السلطة ويدفعها الى عرقلة نقاط أخرى في برنامجه الاصلاحي بالنظر الى الانتخابات المقررة في سنة 2016 على مستوى مجلس الشورى ومجلس الخبراء الذي ينتخب المرشد الأعلى.

(النهار)

السابق
لقاء حول قانون حقوق الصحافيين في النبطية
التالي
إيران وإطاحة رموز الإعتدال السنّي