إيران وإطاحة رموز الإعتدال السنّي

لا يمكن استبعاد الخط الجامع بين الأحداث الأمنية والسياسية المترابطة، من ليبيا ومصر الى العراق وسوريا، مروراً باليمن ودول الخليج، وصولاً الى واشنطن.

إذا كان حرق الطيار معاذ الكساسبة قد أدخل كلّ الأردن في الحرب على «داعش»، فإنّ ذبح الأقباط في ليبيا كان فرصة قيّمة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لدعم سلطته السياسية داخلياً وخارجياً وإكسابها مزيداً من الشرعية، بعد التراجع الذي أصابها.

هناك مَن يرى في واشنطن أنّ نجاح نظامه في التوفيق بين الحرب الداخلية التي تتّسع دائرتها يوماً بعد يوم، وحربه الجديدة في ليبيا، سيكون صعباً، هذا ما لم يُطح بما تبقّى من عناصر قوته الشعبية. فالحراك السياسي الداخلي الداعم له، يكاد ينفضّ مع تراجع الحماسة الشعبية لإجراءاته السياسية وغياب الإحتضان الشعبي الذي لم تشهده مصر على غرار الأردن، بعد قتل الكساسبة.

قد يكون من غير المفيد نقاش مدى عقلانية «داعش» وأفعالها التي تستدرج خصومها تباعاً على التوحّد ضدّها، خصوصاً أنها ليست في وارد تقويم أخطائها، طالما أنّ الخط البياني لشعبيتها لا يزال حتى الساعة في مسار تصاعدي، على رغم الأكلاف التي تتكبّدها وتأكيد واشنطن أنّ هذا التنظيم دخل مرحلة الدفاع بعدما كان في مرحلة الهجوم.

فالنتائج السياسية التي حقّقها جراء «أشرطة الفيديو» التي بثّها، وصولاً الى هجمة كوبنهاغن، كانت كافية لقلب مزاج الرأي العام الأميركي ضدّ سياسات الرئيس باراك أوباما في اليومين الأخيرين.

فنحو سبعين في المئة من الاميركيين حضّوا الكونغرس على منحه صلاحيات شنّ الحرب على «داعش»، في حين أنّ نحو ستين في المئة منهم ليسوا راضين عن سياساته التي يتبعها في هذه الحرب، وطالبوا بإعادة تحديد الأولويات التي تُخاض على أساسها، بحسب إستطلاعٍ للرأي نشرته محطة «سي أن أن» الأميركية أمس الأول.

أصوات أخرى بدأت تحذّر من خطورة ما يشهده العراق مع تصاعد اللهجة العدائية لقيادات الميليشيات الشيعية التي تديرها إيران ضدّ الدور الأميركي، سواء جوّاً أو برّاً.

هناك مَن يسأل عن جدوى التورّط في تلك الحرب، اذا كان العراق سيعود مجدَّداً الى قبضة إيران، وعن أفضلية ترك الأمور تأخذ مداها في المواجهات الإقليمية المندلعة من العراق الى

اليمن، طالما أنّ الأمن القومي الأميركي ليس في موقع الخطر، على ما أكده أوباما بنفسه خلال طلب التفويض من الكونغرس الأسبوع الماضي. حتى الحرب المندلعة في جنوب سوريا تثبت أنّ الأخطار الجانبية جراء سيطرة جماعات إيران على تلك المناطق، ليست بالخطر الإستراتيجي، سواء على الولايات المتحدة او إسرائيل نفسها.

بعض المحللين العسكريين الأميركيين يرى أنّ الجماعات المعارضة هناك ليست متطرِّفة، والحفاظ عليها ربما من مصلحة الجميع. لكن وفق منطق الاحتراب الطائفي والمذهبي، قد يكون من الأفضل فرض الصفاء المذهبي عليها، ما يُسّهل عملياً التحكم بمجريات النزاع، سواء بين ضفتي الحدود أو داخل مناطق الاحتراب الأهلي السوري. والحجة التي تُبرّر المعارك الدائرة هناك متاحة مع إتهام تلك الجماعات بالعمالة لإسرائيل!

تقول أوساط أميركية: «إذا كان التوصّل الى تسوية مقبولة للملف النووي الايراني ممكناً مقابل «ثمن» إقليمي، فلندع اللاعبين الإقليميين يديرون بأنفسهم حروبهم ونزاعاتهم السياسية على الحدود المفتوحة، من العراق الى اليمن الى شمال افريقيا».

وتؤكّد «أنّ استضافة إدارة أوباما القمة الدولية في مواجهة العنف، والتي تبدأ اليوم، تشير الى أنّ تعاملها مع هذا الملف لا يخرج من الإطار «الأكاديمي» وتحويله قضية تقنية، فيما أساس المشكلة سياسي واجتماعي وجيوسياسي في ظلّ الاحتقان الذي يسود المنطقة. فإيران لا تستطيع محاربة الإعتدال السنّي، لذلك من مصلحتها أن تطيح برموزه أينما كان.

هذا ما حدث ويحدث في سوريا، وهذا ما تطبقه ميليشياتها في العراق مع رموز هذا الإعتدال وسلوك ميليشياتها الثأري مع المناطق السنّية المحرَّرة والإغتيال الذي يطاول بعض الرموز العشائرية كما حصل اخيراً.

وهذا ما طبقته أيضاً في اليمن مع إطاحة الرئيس عبد ربه منصور هادي وتحويل «القاعدة» خشبة خلاص ضدّ الحوثيين، وصولاً الى لبنان.

(الجمهورية)

السابق
نحو اتفاق بين أميركا وإيران؟
التالي
«المصالحة المسيحية» تنتظر.. أعجوبة!